: آخر تحديث

قمر مشغرة

16
16
13

أحببنا الموال الذي تفتتح به فيروز أغنيتها: «خطّة قدمكن عالأرض هدّارة»، بكلماته: «يا قمر مشغرة/ يا بدر وادي التيم‏/ يا جبهة العاليه/ ومزنّرة بالغيم‏/ قولوا إنشا الله القمر/ يبقى مضو وقمر/‏ لا يطال عزّه حدا‏/ ولا يصيب وجهه ضيم». الأغنية كانت في مسرحية «أيام فخر الدين» التي قدّمها الرحابنة في مهرجان بعلبك عام 1966، عندما كان لبنان في عزّ تألقه، وتتناول المسرحية سيرة الأمير فخر الدين الذي اعتبر رمزاً للمقاومة، في القرن السابع عشر، أما «مشغرة» فهي قرية من قرى قضاء البقاع الغربي تقع على السّفح الشّرقي لسلسلةِ جبال لبنان الغربيّة.

ستغدو «مشغرة» البلدة البقاعية الصغيرة ملهمة لا في الفن وحده، وإنما في معرفة التاريخ. هاهو الباحث اللبناني فواز طرابلسي، يضع كتاباً اختار له المقطع الأول من الموال الفيروزي عنواناً، فجاء اسم الكتاب: «يا قمر مشغرة: المحسوبية، الاقتصاد، التوازن الطائفي»، سعى فيه، من خلال التاريخ، إلى معرفة الحاضر اللبناني.

يقال إن مفردة «مشغرة» بالفينيقية والأرامية تعني غزارة تدفق الماء. لا نندهش إذاً حين نعرف كيف غدت ملهمة، ولا نندهش أيضاً أنها أعطت لبنان، وأعطتنا أيضاً بالنتيجة، اسم مبدع كبير هو المغني والملحن زكي ناصيف، قمر آخر من أقمار مشغرة مرّت، قبل يومين، ذكرى ميلاده في عام 1916، وكان قد توفي عام 2004 عن 88 عاماً، تاركاً تراثاً موسيقياً وغنائيا فاق الألف أغنية ومعزوفة لحنّها، غنى بعضها بصوته، وبعضها الآخر بأصوات مطربين آخرين، بينهم فيروز وصباح ووديع الصافي وماجدة الرومي، حتى أنّ ألبوماً خاصاً صدر لفيروز من ألحانه، حوى بين ما حوى من أغانٍ: «ع دروب الهوى، سحرتنا البسمات، أهواك، بناديلك حبيبي، فوق هاتيك الربى» وغيرها، ومن أشهر ألحانه التي غناها وديع الصافي أغنية «طلّوا حبابنا طلّوا».

يُميّز الدارسون بينه وبين المدرسة الرحبانية الموسيقية التي مزجت الموسيقى الغربية والكلاسيكية بالطابع الشعبي اللبناني، فيما أبقي ناصيف على المواد القديمة ولكن بإدخال «روح جديدة متزاوجة مع تقاليد الضيعة اللبنانية»، وعلى خلاف فيلمون وهبي الذي لحّن بالفطرة، معتمداً على موهبته الفذة، فإن زكي ناصيف أمضى 5 سنوات على مقاعد الجامعة الأمريكية في بيروت يتعلّم الموسيقى، ومنها انطلق إلى عالم التلحين.

نقرأ ما يسرّنا: غرف منزل زكي ناصيف في «مشغرة»، تحوّلت إلى قاعات تدريس وإلى معهد موسيقيّ مصغّر، لتعليم العزف على البيانو والغيتار. وتحت ضوء القمر، الذي لا يشبهه قمر، في سماء مشغرة، تحيي جوقات عدّة حفلات موسيقية على سطح البيت. نذكر ذلك ونحن نستعيد أغنيته «راجع يتعمّر لبنان»، البلد الذي نحبّه من كل قلوبنا، داعين الله أن يحفظه من المخاطر التي تهدده.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد