شهدت الولايات المتحدة انقساماً حاداً داخل أروقة الحكم فيها، كما تراجعت شعبية سياساتها على المستويين الداخلي والخارجي، بسبب موقفها الداعم للإبادة الجماعية في غزة، وعدم تورّعها بمد إسرائيل بمختلف أنواع الأسلحة القاتلة، التي راح ضحيتها ما يزيد على 120 ألف فلسطيني، ولا تزال المقتلة مستمرة بغطاء من واشنطن التي وفرت المظلة السياسية والاقتصادية والعسكرية لإسرائيل في حمايتها ودعمها بكل خطواتها، سوى من بعض التصريحات «غير الحقيقية» المنتقدة لتل أبيب لذر الرماد في العيون، خصوصاً أن الأفعال تتناقض تماماً مع بعض الأقوال.
تماهي واشنطن مع إسرائيل، دفع مؤخراً 12 مسؤولاً حكومياً أمريكياً للاستقالة؛ إذ اتهموا إدارة الرئيس جو بايدن «بالتواطؤ الذي لا يمكن إنكاره» في قتل الفلسطينيين بالقطاع، مؤكدين أن الإدارة تنتهك القوانين الأمريكية، من خلال دعمها لإسرائيل وإيجاد ثغرات لمواصلة شحن الأسلحة إلى حليفتها.
منذ اندلاع الحرب، شهدت الخارجية الأمريكية استقالات واسعة لمسؤولين؛ احتجاجاً على طريقة إدارتها، وفي مذكرة احتجاجية وزّعها موظفو الخارجية الأمريكية عبر القنوات الداخلية للوزارة، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حذّروا من أن انحياز بلادهم لإسرائيل «يسهم في تكوين تصوّرات عامة بأن الولايات المتحدة جهة متحيزة وغير نزيهة، وهذا لا يخدم المصالح الأمريكية، بل يضر بها»، ولأجل تخفيف حدة الضغط، تم إيقاف بعض شحنات الأسلحة لإسرائيل بعض الوقت بسبب الاعتراضات، إلا أن الجسر الجوي لم يتوقف.
أما على مستوى الرأي العام الداخلي، فإن الإدارة الأمريكية مضت بسياسات مخالفة لتوجهات شعبها، إذ أشارت استطلاعات رأي أجرتها «نيويورك تايمز»، إلى أن شعبية بايدن انحدرت بسبب طريقة إدارته ملف الحرب؛ فقد أشارت استطلاعات، إلى أن 68% من الناخبين الأمريكيين يؤيدون وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.
كما تراجعت شعبية الولايات المتحدة حول العالم، فقد ذكرت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية، أن شعبية أمريكا متعثرة؛ إذ إن العديد من شعوب الدول الغربية لهم رؤية سلبية تجاه واشنطن بسبب الحرب على غزة، وهذه ضربة، خاصة أنها تعد شعوباً حليفة في العموم، هذا فضلاً عن الشعور بالغضب من جانب الشعوب العربية والإسلامية.
الولايات المتحدة خسرت الكثير من مكانتها لأجل إسرائيل، وظهرت عالمياً بأنها ليست كما تدّعي دوماً أنها حامية الحريات، بل أسقط نظريتها جماجم أطفال ونساء غزة التي تهشّمت بأسلحتها، وإذا واصلت أمريكا في هذا المسار، فإن خسائرها ستتعاظم، وصولاً إلى سقوطها الأخلاقي الكامل، وستكون إسرائيل، بحكومتها المتطرّفة، سبباً في أفول نجم واشنطن عالمياً لصالح أقطاب متعددة لها موثوقية عالمية أكبر، كروسيا والصين على سبيل المثال.