يعتقد كثيرون أن ثورة 30 يونيو 2013 كانت فعلاً لازماً في حركة التاريخ، ليس لمصر وحدها، بل للمنطقة العربية، أو على الأقل لدولها التي أيقنت، أن استمرار جماعة «الإخوان المسلمين» في صدارة المشهد السياسي في دولة بحجم مصر، بمكانتها التاريخية والجغرافية والبشرية يعني دخول حقبة مظلمة لن تكون نهايتها سهلة.
هذا التحرك كان تصويباً لخطأ تاريخي أيضاً رفع الجماعة على العرش في ظروف لا يزال الكثير منها طي صدور المطلعين على الأمور، ولا غرابة في وصف الأمر بالخطأ ولو تخفى في فعل «ديمقراطي»، فكم من صناديق خرجت منها أفعال مدمرة للدول بتذرع من فازوا في الانتخابات بأنهم خيار شعبي.
وهذا ليس تقليلاً من قيمة الاختيار الشعبي، لكن شكله الأشهر، وهو الانتخابات، لا يمكن التعويل عليه دائماً، ولا الارتكان لنتائجه، فقد تحيط بها ظروف كثيرة تخدم الأكثر قدرة على المناورة واستغلال ظروف سياسية أو اجتماعية وتوجهات إقليمية أو دولية، وخداع الجماهير، وبعد ذلك تفضح الممارسة وجهه الحقيقي حين يكون مطلوباً منه أن يترجم ما وعد به إلى واقع.
رأينا كيف سارعت الجماعة إلى استغلال هذا الاختيار في صورة ترسيخ لمصالحها، ومحاولة زرع أعضائها والمتعاطفين معها في مفاصل الدولة المصرية، واستبعاد الأخيار في المجتمع، ومقابلة أي اختلاف بعنف خرج من إطاره اللفظي إلى ممارسات في الشارع غذّتها تيارات دينية أخرى.
ومن عاش هذه الشهور مدرك لكل التفاصيل الخطرة التي أضافها حكم «الإخوان» إلى ملامح المجتمع المصري المستقرة وهددت بتشويهها، على نحو يذهب بفئاته احتراب لا يليق بالشخصية المصرية المؤسسة على التعايش والاستقرار.
ولم تكن مصر المهددة وحدها بالخطر، فالجماعة حين تصورت أنها حازت «الثمرة الكبرى» سيسهل عليها قطف ما بعدها في المنطقة ومراكمة المكاسب المتأتية من الخطأ التاريخي الذي جعل مقر «الإخوان» صاحب الأمر والنهي في حياة شعب عريق، متوهماً أنه يمكن إدارته على قاعدة «السمع والطاعة».
من هنا، كان التدخل فريضة رغم أن الجماعة لا تزال تسوّق لادعاء أنه أنهى تجربة ديمقراطية، ولا تزال واقفة عند فهم أن الديمقراطية لا تعني إلا ما تقول به الصناديق، ولو كان ما بعد ذلك تهديداً للوطن والشعب.
هذا التدخل ليس من المهم أيضاً الوقوف عند مسماه، فالأهم هنا جوهر ما جرى، وهو استعادة وطن مختطف من جماعة لا تزال تعتبر نفسها ومصالحها أهم من الجميع، واستعادة هذا الوطن كانت تستلزم فعل كل شيء، يستوي في ذلك أن تكون البداية عند الشعب ثم تسانده بقية المؤسسات، أو تتحرك إحداها مدعومة بظهير شعبي لتصحيح الخطأ الأساسي وإزالة آثاره.
صحيح أن إزالة هذه الآثار تطلبت وقتاً وجهداً وخلقت تحديات تأخرت بسببها النتائج المرجوة، لكن ذلك كله لا يمنع القول: إن التاريخ ما كان له أن يستمر في مساره القويم لولا 30 يونيو.