منذ خلقت البشرية والجريمة بأنواعها حاضرة حضور الإنسان في أي مكان في العالم، ما سوف أتطرق له هو نوع من جرائم القتل الغريبة العجيبة؛ التي بالعادة يقوم بها شخص واحد يعيش في عزلة اجتماعية لظروف شخصية قاسية مر فيها في طفولته من قهر نفسي أو تعذيب جسدي أو اعتداءات جنسية في الطفولة من أقارب له في الغالب، ذلك الضحية ينغلق على نفسه ويرى العالم من حوله بمنظار أسود، وأن ذلك المحيط كله أشرار ويجب التخلص والقضاء عليه بأي شكل من الأشكال، وهذا ما يحدث للبعض على أرض الواقع عندما يكبر ويصبح قوياً فتبدأ مرحلة الانتقام البشع من أناس أبرياء ليس لهم في الغالب علاقة بقضية المجرم الأساسية، وقد يكون الضحايا في الغالب من النساء لظروف اجتماعية واقتصادية متعددة، حيث إن المرأة تكون هدفاً سهلاً للقاتل «المتسلسل»، وفي الغرب وخاصة أمريكا قضايا وجرائم «القاتل المتسلسل» لها جمهورها ولها صناعتها بالأفلام والمسلسلات والكتب، وهناك قنوات متخصصة بهذه النوعية من الجرائم وغيرها من جرام القتل المروعة وهناك منصات إعلامية عالمية توفر هذه القنوات، وأعرف بعض الأصدقاء مدمنين على مشاهدتها ومتابعة القضايا فيها وهم على أرض الواقع مسالمون جداً يخافون من شبح البعوضة، ولكن هو الشغف في المعرفة عند البعض وما يدور من تعقيدات اجتماعية في مجتمعات غريبة عنا.
أتذكر في تسعينيات القرن الماضي عندما كنا ندرس في جامعة مارشال في ولاية غرب فرجينا في مدينة هاننقتون، أعاقت زوجتي طريق الخروج على سيارة طالب من الخروج من مواقف الطلبة لعدة ساعات، وعند رجوعها للسيارة للعودة وجدت رسالة على السيارة كلها تهديد ووعيد، واسم الشخص هو «جيفري دمر»، سألنا من يكون هذا واكتشفنا من صاحب مطعم في محيط الجامعة أن جيفري دمر من أشهر القاتلين «المتسلسلين» في عصر أمريكا، فكان يستدرج ضحاياه ويخدرهم ويقتلهم بطرق بشعة وأغلبهم من الشبان اليافعين ويحتفظ بجثثهم في شقته لفترات طويلة، تم كشف جرائمه وأصبحت قضيته تشغل الرأي العام هناك لسنوات ولقي جيفري دامر مصرعه في سجنه من أحد النزلاء.
قبل أيام قليلة خرجت قضية قاتل ينحو هذا المنحى المتسلسل في القتل، ويسكن في شقة في التجمع الخامس بالقاهرة، والغريب أنه صانع محتوي تعليمي في تعليم اللغة الإنجليزية في المواد التي يبثها على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة على موقع (التوك توك)، وأظهرت التحقيقات أنه قد استخدمت هذه الحسابات لجذب وخداع ضحاياه وأغلبهن من النساء، ضحاياه حتى الآن ثلاث سيدات وجدن في حقائب في أوضاع مقززة واعترف بممارسة الجنس مع بعضهن بعد قتلهن ومن ثم تخلص من جثثهن في مناطق مختلفة في البلد، ويبدو أنه عاش حالة خيانة لزوجته مع أحد أصدقائه منذ سنوات وقد تكون أحد الدوافع لسلوكه الإجرامي هذا. أتمنى أن يكون هناك توعية في مجتمعاتنا للتعاطي مع الغرباء خاصة للفئات الأكثر عرضة وضعفاً.