تتنامى قوة ومكانة دولة الإمارات على الصعيدين الإقليمي والعالمي بفضل السياسة الحكيمة التي تنتهجها قيادتها الرشيدة، هذه القيادة التي استطاعت، رغم اللحظات الحرجة التي تمر بها الأمة والمنطقة، أن تجعل من الإمارات إحدى الركائز الأساسية في السلام والاستقرار الدوليين.
لقد تمكنت تلك القيادة أن تقود سفينة الوطن منتهجة سياسة الاعتدال، والوقوف على مسافة واحدة من كافة القوى الدولية، وانفتاحها على مختلف الآراء والتوجهات، ما يجسد الرسالة السامية التي تحملها منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والتي تتمثل في الدعوة إلى السلم العالمي، وإقامة علاقات صداقة مع مختلف دول العالم، والسعي لتحقيق الاستقرار في المنطقة والعالم.
وتسعى دولة الإمارات أن تكون رقماً فاعلاً في محيطها العربي والأسيوي، فأقامت علاقات وثيقة مع كافة دول آسيا. وقد حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، على استثمار علاقاته، وقيادته في توثيق تلك العلاقات والوصول بها إلى مراحل متقدمة. وتشكل الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى كل من جمهورية كوريا وجمهورية الصين الشعبية، معلماً بارزاً في التحولات الدولية الراهنة، وذلك للأثر الكبير الذي تركته على صعيد الدولتين الصديقتين والوضع الدولي بشكل عام. فكلتا الدولتين ترتبطان بروابط الصداقة والعلاقات الاستراتيجية مع دولة الإمارات، وكلتاهما من الدول المتطورة اقتصادياً وصناعياً ولهما حضور واسع على صعيد الاقتصاد والتكنولوجيا في العالم. وقد بحث صاحب السمو رئيس الدولة خلال زيارته في 28 مايو(أيار) إلى جمهورية كوريا مع رئيسها يون سوك يول، علاقات الصداقة وتطوير مختلف جوانب العمل المشترك من أجل تعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا وذلك في إطار الشراكة الاستراتيجية الخاصة التي تجمع دولة الإمارات وجمهورية كوريا.
وتأتي الزيارة في هذا التوقيت تلبية لدعوة الرئيس يون سوك يول، الذي حرص على توجيهها لسموه نظرًا لما تملكه الإمارات من مكان ومكانة، رسختها القيادة الرشيدة على مدار عقود من العمل الشاق، والرؤية والحكيمة التي سرعان ما أثمرت علاقات وثيقة في مختلف المجالات خاصة السياسية والاقتصادية.
ولعل حجر الزاوية في هذه العلاقات هو التبادل التجاري والصلات الاقتصادية، فضلاً عن الصلات الثقافية والفنية والطاقة والتكنولوجيا. ومن هذا تنتهج الإمارات سياسة ثابتة تجاه قضايا العالم؛ فخطابها السياسي مبني على مرتكزات ثابتة، ومن أهم القضايا التي يحملها القائد صاحب السمو رئيس الدولة، هي مسيرة السلام وما تتعرض له من صعوبات وعقبات، والدور الذي يمكن أن تلعبه الدولتان على الصعيدين الأسيوي والعالمي. وقد عكس الاستقبال البالغ الحفاوة وحسن الاستقبال لسموه أثناء زيارته لكوريا الجنوبية والصين الأسبوع الماضي عمق العلاقات بين هذه الدول.
ومن المعروف أن تقويم نجاح أي عمل مشترك، في تحقيق أهدافه بين الدول، سواء تمَّ في إطار تقليدي أو اقتصادي، يرتبط أساساً بمدى توافر القواسم المشتركة، من مصالح ومواقف وإرادة سياسية، والتي هي بمثابة الأرضية لانطلاق مسيرة التعاون المشترك بين الدول، وعند الحديث عن الدول الفاعلة بالنظر لأدوارها وعلاقاتها، تأتي دولة الإمارات العربية المتحدة، بصفتها الدولة العربية الفاعلة على المستويات الدولية، والتي تدعم السلم والأمن والاستقرار، معبرة عن أصالة مبادئها، ورسوخ قيمها، وعالمية رسالتها، وسعيها الحثيث من أجل نشر القيم الإنسانية التي تؤمن بها، إضافة إلى ما تملك من الإمكانات السياسية والاقتصادية، ما يُؤهلها لأن تكون محل ثقة العالم بمختلف مستوياته.
وقد تلاقت المصلحة الإماراتية مع المصلحة الكورية الجنوبية ما أدى إلى اتفاق الدولتين على إقامة علاقات صداقة وتعاون بينهما، وانطلقت تلك العلاقات عام 1980 بافتتاح سفارة كوريا في العاصمة أبوظبي. وعلى مدى السنوات الطويلة، تطورت العلاقات بين الدولتين بشكل كبير، بسبب الرغبة المشتركة في تطويرها، وتقارب وجهات النظر حول الموضوعات الدولية والإقليمية، حتى وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في عام 2009 مع التوقيع على مشروع إنشاء محطة «براكة» للطاقة النووية، مع اتحاد شركات كوري، وهو المشروع الذي أبصر النور مع تشغيل المحطات النووية.
ولم يتوقف التعاون عند هذا الحد؛ بل عززت الدولتان تعاونهما المشترك من خلال الزيارات الكثيرة المتبادلة لمسؤولي الدولتين. وقد كانت زيارة الرئيس الكوري السابق مون جيه-إن إلى أبوظبي في شهر مارس 2018، قد تم خلالها الاتفاق على رفع العلاقات بين الدولتين إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الخاصة»، وهو ما تم ترجمته بالفعل خلال الفترة الماضية؛ عبر تعزيز التعاون في مختلف المجالات، وتبادل الزيارات والوفود، وتوقيع العديد من الاتفاقيات.
من دون شك فإن العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وبين جمهوريتي كوريا والصين هي نموذج لعلاقات الصداقة بين دول كبرى، وحدتها الرؤى والمصالح المشتركة التي تخدم أهدافها في تحقيق التنمية المستدامة لها، وتوافرت لها قيادة تاريخية تقود بحكمة وحنكة، وسط عالم متلاطم بالصراعات والتنافس الاقتصادي، وكان لمشاركة صاحب السمو رئيس الدولة في المنتدى العربي -الصيني في بكين أهمية بالغة لأن هذه المشاركة تعطي زخماً للعلاقات التاريخية بين البلدين، كما تعزز العلاقات العربية -الصينية وتأخذها إلى مجالات أرحب من التعاون والعلاقات الاستراتيجية التي تخدم مصالح الطرفين.