ألا ترى أن جميع الناس يصيرون فلاسفة حكماء استشرافيين، حين يجري الحديث عن أن الشبيبة هم آمال الشعوب والأمم؟ الطريف هو أن أهل البلدان المكبّلة بالتنميات المتعثرة، هم في هذه الشعارات، أصدح الحناجر، وأسخن الطناجر.
لكن، اغسل يديك إذا لم تَسُلّ أنظمةُ التعليم سيوفَ التخطيط المستقبلي البعيد، من أغماد اللامبالاة. عندما ينفشون الريش وينفخون الأشداق، بأن النشء الجديد هم حملة لواء الغد البسّام، عليهم أن يضعوا أمامهم قائمة مقوّمات فرض الوجود في مقبل السنين. المنطلق السليم هو الإيمان القاطع بأن الرياضيات والفيزياء هما الأساس والركن الركين والحصن الحصين، والباقي ملاحق ولواحق. من ضَمِنها فقد ضمن المعلوماتية والذكاء الاصطناعي ومئات التخصصات الأخرى الحيوية، التي تتوقف على ذينك العلمين الأساسيين.
من الضروري أن يضع خبراء التربية، واضعو المناهج، قبل السرحان في فراديس الخيال، قوائم مفصّلة، مع ما قلّ ودلّ من الشرح المفيد، لأقصى ما وصلت إليه البحوث العلمية في الدول المتقدمة، حتى يدركوا حقيقة ما يعنيه المستقبل حين يتحدثون بملء الفم عن المستقبل. من العلوم العصبية إلى الفيزياء الفلكية، من بحار علوم الأحياء إلى الحوسبة الكمّية، من المعرفة النووية إلى الذكاء الاصطناعي العسكري، من الإناسة الثقافية إلى بيولوجيا الفضاء... عند الفراغ من استعراض سلسلة الهموم المستقبلية، على رئيس الفريق أن يطلق تصفيقةً إيقاظيةً مدوّيةً، مردّداً ذلك المثل الفرنسي: «اهبطوا من الغيوم، فقد انتهى الحلم»، وكما لم يقل المثل: «طارت النشوة، وجاءت الصحوة». حينئذ، لا بدّ من العودة إلى الواقع وفحصه فحصاً شاملاً، مخبريّاً وسريريّاً. من المهم أن يكون الوصول المتأخر، خيراً من عدم الوصول أصلاً. في الشعر ترياق: «والنفس راغبةٌ إذا رغّبتها... وإذا تُردّ إلى قليل تقنعُ». بعد ذلك الزلزال في الوعي، جرّاء إدراك المسافات النجومية، التي تفصل التنميات المتعثرة عن واقع العلوم والبحث العلمي، يجب وضع قوائم شديدة النزاهة والموضوعية، لحقيقة الحال العلمية والتقانية، وما تقتضيه من ضرورات التغيير العاجل في المناهج. يطيب للقلم التذكير بما قاله عالم الرياضيات الفرنسي سيدريك فيللاني: «إن مناهج الرياضيات في فرنسا، تحتاج إلى نسف من الأساس»، يقيناً، هو يتحدث عن المناهج الفرنسية. ما الكلمة المناسبة لتغيير مناهج العالم الثالث؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الادّخاريّة: ما الذي استثمرته التنميات المتعثرة، في شبيبتها، حتى تُحمّلها مسؤوليّة الآمال المستقبليّة؟ الأمّية والبطالة والبحث عن مهرب من الأوطان؟