: آخر تحديث

سؤال الأمس سؤال اليوم

24
31
28

اعتدنا لسنوات طويلة، ولا نزال، أن نسمع برامج في الإذاعة والتلفزيون، بعنوان: «حدث في مثل هذا اليوم»، وتحت العنوان نفسه، أو ما يشابهه، حرصت صحف عديدة على تخصيص باب يومي. فكرة هذه البرامج أو الزوايا الصحفية هي التذكير بأهم الأحداث التي جرت في العالم أو في البلد المعني في مراحل تاريخية مختلفة، كإعلان استقلال الدول، أو بدء الحروب أوانتهائها، حدوث الزلازل والفيضانات، ميلاد أو وفاة قادة سياسيين ورجال دولة وفنانين وأدباء وفلاسفة كبار، وتحفز مثل هذه التواريخ المستمع أو المشاهد أو القارئ، إذا كان مهتماً، للعودة إلى الحدث الذي وقع في مثل هذا اليوم، أو إلى تاريخ الشخصية التي ولدت أو ماتت فيه قبل سنوات أو عقود، أو حتى قرون ماضية.

ذكرنا القرون الماضية قاصدين، فها نحن إزاء ذكرى وفاة الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانت، الذي لا مناص لمهتم بالفلسفة وتاريخها من الوقوف عنده وعند منجزه الفلسفي، فقبل أربعة أيام (بالضبط في 22/ 4/ 2024)، مرّت ثلاثة قرون على ميلاده، فأصبحت المناسبة فرصةً للوقوف عند إرث الرجل الذي ذاع، بشكل خاص، صيت كتابه «العقل المحض»، والبعض يترجمها إلى العربية ب «العقل الخالص». قبل ثلاثة قرون كانت خريطة أوروبا غير ما هي عليه اليوم، لذلك قد يفاجئنا أنّ المدينة التي وُلد فيها الرجل تقع اليوم ضمن أراضي روسيا، وكانت يومذاك داخلة في ما عرف بمملكة بروسيا، وهي مقاطعة ألمانية سُميّت بهذا الاسم نسبة إلى سكّانها الأصليين ذوي الاصول البلطيقية. مسقط رأس الفيلسوف تسمى اليوم كالينينغراد، فيما كانت تعرف يومها بكونيغسبرغ، وتقول سيرته إنه لم يغادرها على الإطلاق، لذلك نقرأ في تقرير عنه، بمناسبة ذكرى ميلاده، أنه «لفهم العالم، ليس من الضروري أن يسافر المرء حوله»، وهذا ما أثبته الرجل في منجزه الفلسفي الذي لا يزال يعيش ويتجدد رغم مرور هذه القرون الثلاثة، التي تبدلت فيها أحوال أوروبا والعالم كله غير مرّة، ويقول التقرير نفسه عن «كانت»: «لا تزال العديد من أفكاره صالحة اليوم في ضوء تغيّر المناخ، والحروب، والأزمات».

خلايا الفكر الحقيقي الأصيل حيّة لا تموت، خاصة أنّ العالم لم يتغلب على المعضلات التي أدركها «كانت» في عصره، إنها تعيد إنتاج نفسها لا مرّة واحدة، وإنما مرّات، تارة على شكل ملهاة وتارة على شكل مأساة.

ألا يحملنا ذلك على التفكير بما أنّ «حدث في مثل هذا اليوم»، في أزمنةٍ مضت، سواء كانت سنوات أو عقوداً أو قروناً، يُبعث من جديد في تجليات وصور جديدة، أوليس ذلك باعثاً على العبرة.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد