: آخر تحديث

وحيدة خليل.. أم كلثوم البصرة

9
11
13

قبل عقد الأربعينيات من القرن العشرين كانت الأصوات الغنائية النسائية في العراق محدودة أو تكاد تكون معدومة لأسباب اجتماعية. في تلك الحقبة وتحديداً في عام 1928 أبصرت النور بمدينة البصرة جنوب العراق من ستصبح من رائدات الغناء والطرب في العراق، وتكتسح الساحة الغنائية بمجرد انتقالها إلى العاصمة بغداد وتعاونها مع ملحني وشعراء العراق الكبار آنذاك، ودخولها دار الإذاعة العراقية اللاسلكية.

الإشارة هنا إلى الفنانة المبدعة «وحيدة خليل»، التي لا تزال أعمالها الغنائية تطرب الجمهور إلى اليوم، دون أن يخبو سحرها أو تبهت عذوبتها، فما قصتها؟ وكيف دخلت المجال الفني؟ وما أشهر أعمالها؟

اسمها الحقيقي «مريم عبدالله جمعة»، وكنيتها «أم حكمت». ولدت ونشأت في حي الرباط الصغير بمدينة البصرة لأبوين عراقيين فقيرين سنة 1914، وتيتمت وهي صغيرة بوفاة والدها، فتولت والدتها رعايتها وتربيتها.

في سنوات طفولتها أولعت بسماع الأبوذيات والمواويل والأناشيد الدينية، كما قادها الشغف بالموسيقى والغناء إلى الاستماع إلى الفن العراقي الريفي، ولا سيما أغاني مطربي الريف الكبار مثل «حضيري بوعزيز» و«داخل حسن» و«ناصر حكيم» و«مسعود العمارتلي».

وقتها كانت فرق الخشابة (فرق فنية تمارس نوعاً خاصاً من الفن العراقي دون نوتة وبالاعتماد كلياً على الدنباك والتصفيق الجماعي) منتشرة في البصرة والزبير وضواحيهما، فأقبلت على حفظ معظم أغاني تلك الفرق وترديدها في المنزل دون أي أداة موسيقية سوى «دنبك» فخاري صغير. وفي الوقت نفسه تعرفت وحفظت وتدربت على بعض من أشهر أغاني أم كلثوم وأسمهان وليلى مراد.

روت في حوار صحافي قديم أنها رافقت عائلتها في أحد الأعياد وهي صغيرة إلى متنزه خارج البصرة للترفيه، فشجعتها المناسبة والأجواء العائلية على أداء أغنية «أنا بانتظارك» لأم كلثوم بصوت وأسلوب أطرب الحضور، ولفت أيضاً أنظار متنزهين غرباء ومتطفلين، بدليل أن أحدهم لم يتمالك نفسه من الإعجاب بصوتها فأطلق من بعيد صيحة «الله أكبر يا أم كلثوم البصرة».

ورغم أن تلك الصيحة جعلتها تشعر بالخجل والحرج وتختفي وراء عباءتها السوداء، لكنها على ما يبدو خلقت لديها الدافع لتولي وجهها صوب العاصمة بغداد حينما اشتد عودها، بحثاً عن الشهرة والأمجاد ومزاملة أساطين الموسيقى العراقية، وهكذا حلت في بغداد الأربعينيات، وتمكنت بفضل موهبتها ودفء صوتها وعفوية أدائها والشجن الجميل المختزن في حبالها الصوتية وما اكتسبته من خبرات في أداء المواويل والأبوذيات الريفية الصعبة أن تجد لها موقعاً بارزاً ضمن المطربات اللواتي كانت بغداد تعج بهن في تلك الفترة، وكن يتنافسن على دخول الإذاعة وعلى لفت أنظار كبار الملحنين وأنظار أشهر شركات التسجيل، من أمثال صديقة الملاية وسليمة مراد ومنيرة الهوزوز، وغيرهن.

ولعل من الأمور الأخرى التي ساعدتها على شق طريقها بنجاح ذائقتها في اختيار النصوص الجيدة، وإدراكها المبكر لضرورة إعادة قراءة صوتها الريفي البصري عبر خلطه بمدنية بغداد وأناقتها، ناهيك عن إعجاب الموسيقار الراحل جميل بشير بأدائها وموافقته على تدريسها العزف على العود. ومما لا شك فيه أن علاقتها بقامة كبيرة مثل منير بشير فتحت الباب لتعاون ملحنين كبار معها، ولا سيما عباس جميل ومحمد نوشي وكاظم الحريري، وأيضاً شجع كبار كتاب النصوص الغنائية على اختيارها لتشدو بكلماتهم، ومنهم إبراهيم وفي، وإسماعيل جودت، وجبوري النجار، وسيف الدين ولائي.

ووحيدة خليل، التي اعتادت في أغلب تسجيلاتها لتلفزيون بغداد والكويت أن تظهر وهي مرتدية الزي العراقي المعروف بالهاشمي مع شال جميل على رأسها، رحلت عن دنيانا بهدوء في عام 1991، تاركة خلفها كنزاً من الأغاني الشجية الخالدة، منها: «عليمن يا قلب تعتب عليمن»، و«سبحان إللي جمعنا بغير ميعاد»، و«حرت والله بزماني يا حسرتي»، و«هذا منو دق الباب»، و«أمس واليوم ما مروا علي»، و«أنا وخلي تسامرنا وحجينا»، و«خاله شكو»، و«هجع»، و«يا عزيز الروح يا بعد عيني»، و«صلوات الحلو فات»، و«بعد لا تقول نتلاقى»، و«جيت لأهل الهوى أشتكي من الهوى».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد