: آخر تحديث

ليبيا.. وحراك ما بعد التوافق

22
22
27

إثر مشاركة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبدالحميد الدبيبة، في القمة العالمية للحكومات، واجتماعه مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي التقى أيضاً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في دبي، وما أعقب ذلك من التئام قمة القاهرة بين الرئيسين التركي والمصري، في 14 فبراير/ شباط الجاري؛ ساد التفاؤل بإمكانية التوافق بين الأطراف الإقليمية على الملف الليبي. فقد كان القاسم المشترك في هذه اللقاءات جميعاً هو بحث الأزمة السياسية المركّبة في ليبيا.

وعزز هذا التفاؤل أنّ وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، كان استبق زيارته إلى طرابلس، في 7 فبراير/ شباط، بالإشارة إلى «تداعيات إيجابية مهمة لتطبيع العلاقات مع مصر»، على الأزمة الليبية.

وعلى السطح، يبدو أنّ لهذا التفاؤل ما يبرره. فقد شهدت الساحة السياسية الليبية حراكاً سعى لكسر الجمود الذي ران على الوضع السياسي. ومن ذلك، إعلان رئيس المجلس الأعلى للدولة «محمد تكالة»، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة، قبولهما دعوة رئيس البعثة الأممية «عبد الله باتيلي»، لعقد حوار وطني بين جميع أطراف الأزمة الليبية. كما أعلنت كتلة «الإصلاح النيابية» الدعوة لحراك وطني من أجل الوصول للانتخابات البرلمانية والرئاسية.

علاوة على ذلك، سعى رئيس البعثة الأممية في ليبيا إلى إشراك قادة الميليشيات المسلحة في مبادرته، حيث اجتمع بأكثر من 20 ممثلاً عن الجهات الأمنية والعسكرية في المنطقة الغربية. فيما أكدت قمة برازافيل للجنة الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى حول ليبيا دعمها توحيد المؤسسات الوطنية الليبية، وترحيبها بعقد مؤتمر المصالحة الوطنية في 28 إبريل/ نيسان المقبل، بمدينة سرت.

وقد شهد الحراك السياسي الليبي زيادة مطردة في عدد الفاعلين الدوليين الذين استأنفوا الانخراط في العملية السياسية في ليبيا. إذ شرعت الولايات المتحدة في تكثيف حضورها عبر إجراء مجموعة من اللقاءات والمشاورات مع الأطراف المتنافسة في ليبيا، حيث استقبل رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، وفداً أمريكياً، وبحث مكتب الملحق العسكري الأمريكي مع مدير مكتب المشير خليفة حفتر، سبل تعزيز التعاون بين المؤسسات العسكرية الليبية. وفي التوقيت نفسه تقريباً، زار نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكيروف، بنغازي، والتقى المشير خليفة حفتر، في لقاء هو الرابع من نوعه منذ أغسطس/ آب الماضي. كما شهد «الملتقى الدولي حول الاستقرار في ليبيا» في تونس (9 فبراير/ شباط)، الذي ضم عدداً من القوى السياسية الليبية وفي مقدمتهم المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، مشاركة دولية واسعة لبحث الاستقرار السياسي والأمني والمصالحة الليبية.

وفي مواجهة كثافة الحراك السياسي، الداخلي والإقليمي والدولي، بخصوص الأزمة الليبية، لا تزال الأوضاع الأمنية متدهورة في البلاد، ولم تنجح الجهود العديدة في إحداث أي اختراق جدّي لحالة الانقسام السياسي، بل وتلوح في الأفق مواجهة «عنيفة» بين الشرق والغرب.

فقد عثرت السلطات الأمنية بالعاصمة الليبية طرابلس على عشرة قتلى، يوم 18 فبراير/ (شباط، في ظروف غامضة، من بينهم قيادات تابعة لجهاز دعم الاستقرار، الموالي لحكومة الوحدة الوطنية. وعلى إثره، أعلنت وزارة الداخلية التابعة للأخيرة، إخراج سبع تشكيلات مسلحة من طرابلس. علاوة على ذلك، يستمر اعتصام جهاز حرس المنشآت النفطية، وهو جهاز تابع لوزارة الدفاع يتولى مسؤولية تأمين منشآت النفط والغاز في ليبيا، وأعلن منتسبوه، في 25 فبراير/ شباط الجاري، إغلاق الحقول والموانئ النفطية على مستوى البلاد، احتجاجاً على تجاهل المسؤولين في حكومة الدبيبة لمطالبهم، ما ينذر بتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.

ويبدو أن حالة الانقسام السياسي سوف تستمر إلى أجل غير مسمى، حيث يسعى الدبيبة إلى تعزيز بقائه في السلطة لحين إجراء الانتخابات، فيما يؤكد مجلس النواب أهمية تشكيل حكومة جديدة للإشراف على الانتخابات. ويسعى كلا الطرفين إلى بناء أو تعزيز تحالفاته الخارجية لتعزيز تصوّره لمستقبل البلاد. وفي الوقت نفسه، يتمسك المجلس الأعلى للدولة بوجهة نظره المتعلقة بكون القوانين الانتخابية، التي صادق عليها مجلس النواب منفرداً، معيبة، وغير توافقية. وفي مؤشر على تفاقم الانقسام بين الشرق والغرب، أصدر رئيس مجلس النواب، في 20 فبراير/ شباط، قراراً بحظر التعامل مالياً مع حكومة الدبيبة. كما تسعى الحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، منذ بداية العام الجاري، إلى بسط نفوذها على مناطق خارج دوائر سيطرتها، ولاسيما في الجنوب، بل وفي الساحل الغربي، في درنة وزليتن، ما يعني حصاراً لحكومة الوحدة الوطنية. علاوة على ذلك، قضت محكمة استئناف طرابلس بإلغاء مذكرة التفاهم الليبية- التركية، يوم 22 فبراير/ شباط، بين حكومة الدبيبة وتركيا، والتي منحت امتيازاً غير محدود للحكومة التركية في مجالات التنقيب والحفر وتجارة المنتجات النفطية.

وهكذا، برغم ما يبدو من توافق الأطراف الإقليمية الرئيسية على تسوية الأزمة السياسية المركّبة في ليبيا، وبرغم كثافة الحراك السياسي في ليبيا وبخصوصها؛ فإنّ التوافق الإقليمي لم يترجم على الأرض بعد، والحراك السياسي لا يزال ضجيج بلا طحن.

*متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد