زرتُ العاصمة الروسية موسكو أكثر من مرة، وفي كل مرة كان لا بّد من الذهاب إلى مقهى يحمل اسم «بوشكين» أمير الشعراء الروس، وهو مقهى يقع قرب تمثال للشاعر الكبير.
قُرب هذا التمثال، وفي الساحة الحمراء.. تجري قراءة أشعار بوشكين في مناسبة تسمى «المذياع المفتوح»، وهي احتفاليات مدهشة.. حيث يشارك عدد كبير في القراءة، وعدد أكبر في الترديد أو الاستماع.
في مصر حصل ثلاثة من الأكاديميين على جائزة «بوشكين»، ففي عام 2012 حصل أبو بكر يوسف عليها، وفي عام 2015 أعطيت الجائزة للدكتورة مكارم الغمري، والتي حصلت على جائزة الملك فيصل العالمية، واستقبلها الرئيس بوتين في أثناء تسلمها ميدالية بوشكين، وفي عام 2019 حصل عليها الدكتور أسامة السروي.
للشاعر الروسي الكبير قصيدة بعنوان «لِمَا هي حزينةٌ كليوباترا؟»، وقد كانت آخر أعماله التي لم تكتمل بسبب مقتله هي رواية «ليالي مصرية».
يحظى بوشكين بمكانة كبرى في الشرق والغرب، فهو مؤسس الأدب الروسي الحديث، يقول عنه تولستوي «إنّهُ أبي.. أنا أتعلم منه»، ويقول ديستويفسكي: «إننا نسير وراء بوشكين، ولولاه لما وصل الأدب الروسي إلى ما هو عليه».. وفي عام 2023 أعلن منتج أميركي عن فيلم بعنوان «بوشكين للعالم أجمع»، وهو الفيلم الذي طلب الرئيس بوتين دعمه من قبِل وزارة الثقافة الروسية.
ولد أمير الشعراء الروس في موسكو عام 1799، وقد كان جدّه لوالدته جنرالاً روسيّاً من أصل أفريقي، وقد كتب عنه روايته «نرنجي بطرس الأكبر».. حيث عمل جدّه مع القيصر.
كتب بوشكين قصيدته الأولى بعنوان «الحرية» وهو في الثامنة عشرة من عمره، وقد أدى ذلك لنفيه من قِبل الإمبراطور.
وفي الحادية والعشرين من عمره كتب أول قصيدة طويلة بعنوان «رُسلان ولودميلا»، حيث يقوم الساحر الشرير بخطف لودميلا ابنة الأمير من حفل زفافها على رُسلان، فيذهب العريس للبحث عن العروس الحسناء، حتى يصل إلى حبيبته. وهي واحدة من أشهر الملاحم الروسية.
تم نفي بوشيكن أوائل عشرينيات القرن التاسع عشر، وفي المنفى كتب رائعته «أسير القوقاز»، ثم في عام 1830 نشر روايته الشعرية «يفجيني أونيجين» التي ترسم حياة النبلاء في القرن التاسع عشر، وقد حوّلها تشايكوفسكي إلى أوبرا، وهي العمل الأدبي الأكثر مبيعاً في تاريخ روسيا.
حظي «بوشكين» برعاية القيصر نيقولا الثاني، والذي أمر بعدم خضوعه للرقابة العادية، بل يتم رفع أي اعتراض عليه للقيصر شخصياً.
كتب بوشكين تسع قصائد مستوحاة من القرآن الكريم، وكان من بين ما أنشد «وناداني صوت الله/ انهض يا رسول الله/ وأبصر لبهيّ إرادتي/ أقسم بصلاة العشاء/ أحبّ اليتامى وقرآني/ وأعوذ من شرّ المخلوقات المستهترة».
في أحدث احتفاليات بوشكين، قرأت الحشود قصيدته «تعيش الشمس ويختفي الظلام».. كم هو العالم بحاجة قصوى لعنوان تلك القصيدة، كم تحتاج الإنسانية لضياء الأدب لتبديد ظلام السياسة.
لا يخص بوشكين روسيا وحدها، بل يخص العالم أجمع، والحفاوة به ليست شأناً قومياً، بل شأن إنساني يمسّ عاطفة البشر جميعاً. وفي الوقت الذي قام فيه علماء الذرة بتقديم ساعة يوم القيامة.. يحتاج ثمانية مليارات إنسان إلى القليل من الساسة، والكثير من الشعراء.