كثيرون في الوطن العربي يهاجمون بعضهم بعضاً عبر «الذباب الإلكتروني»، والإيغال في هذه الهجمات غير المسؤولة يجعلها لا تقف عند حد، وتطال أسماء بعينها لها أهميتها لدى شعوبها، وتشكل قيمة نفيسة على المستويين العربي والإقليمي، ومن التطاولات ما يشمل دولاً غالباً ما يشهد لها بالنجاح في مسيرتها التنموية نحو النهضة الشاملة. وتبقى لغة «الذبابيين» منحدرة في مستواها لتكون من أرخص لغات التخاطب البشري. هم نشطون في هذه الفترة التي يشهد العالم فيها تحولات كبرى، والمؤكد أن ثمة جهات تقف وراءهم وتدعمهم، قد تكون دولاً أو منظمات.
في مقام كهذا، لا حكمة من تتبع الدوافع والأسباب التي تقف خلف هؤلاء، تحفزهم على القيام بهذه الحملات، التي مجرد افتقارها السافر إلى البيّنات، يعمق الاعتقاد بأنها مشبوهة، وبعض تلك الدوافع والأسباب معروفة على أي حال، وبعضها الآخر توهمات.
إن الدول الذكية الراشدة، الواثقة برؤيتها، تستفيد من وجود الأعداء أكثر مما يستفيد الحمقى من أصدقائهم. هذه حقيقة وهي غالباً ما تغيب عن حاطبي الليل أولئك الغوغائيين؛ ففي سنة 1937 هزمت الصين اليابان. وبعد سنوات حاول زائر ياباني أن يعتذر إلى «ماوتسي تونغ» عن غزو بلده للصين، فقاطعه ماو قائلاً: أليس من واجبي أن أشكرك بدلاً من ذلك؟
إن الأعداء ليسو دائماً نقمة، توجب الاستعداد لها والتحوّط منها بالدعاء. الأعداء أحياناً نعمة؛ فأي مجموعة من الناس لا يمكنها أن تصبح قوية من دون خصم ذي جدارة. وكذلك تكون الدول المتوثبة؛ فهي لا يقلقها أو يضايقها وجود الخصوم. على العكس؛ فحينما يكون لديك خصم معلن ومعروف أو اثنان، فإنك ستكون أفضل حالاً بكثير مما لو كنت تجهل مكان أعدائك، لتعزيز سمعتك كمقاتل ثابت القدمين يمكن الاعتماد عليه في أوقات القلق وانعدام اليقين. إن مقتل الذبابيين يكمن في عدم الالتفات لهم ومواصلة السير نحو القمم.