إضافة إلى انشغال نظام الأسد بالكبتاغون والسطو على ملايين فاسديه للبقاء مادياً، فإنه منشغل أيضاً بإعادة صياغة حزبه "البعثي" كي يكون أكثر حرفيةً في محاربة كل سوري يذكر "وحدة" أو "حرية" الشعب السوري، مستخدماً "كتائب التكنوقراط" لا "كتائب البعث".
على جدول أعماله إعادة ترتيب الأجهزة "الأمنية"، وتقليص الجيش السوري، والتصريح بأن مهمة هذا الجيش "محاربة الإرهاب".
وتراه الآن ينكبُّ على ترتيبات إدارية، وربما وزارية، مرفقة بما يمكن أن يسميه الخارج "تغيير سلوك" أو "محاربة فساد"مبقياً قصة الكبتاغون والمخدرات ورقة ابتزاز.
إنه يقول لأسياده الآن: "لدينا عقل براغماتي قادر على استدارات ايديولوجية؛ فقط تفضلوا إلى الطاولة، لنفعل كل ما ترغبون، كوننا نريد فقط أن نضمن موقع الرئاسة في اي ترتيب قادم.
هاجسه الأساس الآن التنصل من عقابيل 7 أكتوبر، وما تفعله بعض أذرع وميليشيا حُماته الملالي، حتى ولو استلزم الأمر تزويد مَن سيقرر تجديد أو قطع "عقود التخادم" ببعض "المعلومات"، لإثبات البراءة من الفعل الفلسطيني.
يقدّم إعلام نظام الأسد الآن خبر استهداف أميركا أو إسرائيل لمواقع الحليفة إيران في سوريا بصيغة متفرج من المدرجات؛ كأن تقول أبواقه الإعلامية: "استهدف الطيران الإسرائيلي أماكن سكن مستشارين إيرانيين…" وكأنه يبشّرهم بأنهم أصابوا أهدافهم بدقة. وهذا عملياً حال عصابة أضحى مصيرها مهدداً تهديداً وجودياً؛ فإما أن تبيع شركاءها، أو تيسّر على الآخر قتلهم. وبالتالي، غاية "النظام" الكرسي، ولو على الجماجم، وغاية المحتل نجاح مشروعه، ولو لقاء إفناء سوريا وأهلها.
يشعر نظام الأسد بحالة من الطمأنينة تجاه المجتمع الدولي؛ ويدرك أنه إذا قارن نفسه بأي عصابة عالمية فعلت أقل مما فعله بمائة مرة، يكون حسابها الاستئصال. فهو تاريخياً أباد حماه، وصمت المجتمع الدولي. وأجرى تجارب كيماوية على سجناء بتدمر، وصمت الاصيل القذر. وقتل رفيق الحريري رئيس وزراء دولة مستقلة ورفاقه، وصمت الكبار. وحاول اغتيال مضر بدران رئيس وزراء الأردن بالثمانيات، وصمت الجميع. واغتال ابنة علي الطنطاوي في قلب المانيا، ولم يلتفت أحد. وفتح سوريا لمليشيات تستهدف إسرائيل، وكأن شيئاً لم يكن. وقتل صحافية أميركية، وعبرت جريمته. وأدخل متفجرات للبنان في حادثة مشهودة تورط بها وزير لبناني سابق، وطويت جريمته. ومؤخراً قتل آلاف السوريين في معتقلاته تحت التعذيب - وتمّ توثيق صورهم - وما مِن حساب جدّي. ثم فتح المنطقة للكبتاغون، وكانت ردة الفعل على جريمة كهذه مخزية.
فقط، لم يبقَ أمامه إلا استهداف البيت الأبيض. و هناك سفير فرنسي سابق يكتب عن ديموقراطيته وأنه مستهدف لكياسته.
حقيقة كل ذلك يدل على أن لا أقذر من هكذا منظومة إلا الذي صنعها.
رغم قدرات "نظام الأسد" الممتدة لسنين، والمشهود لها بالخروج من "خرم الإبرة"- كما يُقال- إلا أن خياراته تكاد تكون معدومة:
فهو عسكرياً يعيش على حماية روسيا وإيران. وهما أصلاً يبحثان عن حماية.
واقتصادياً يعيش على الكبتاغون ونهب مدخرات أدواته من "رجال أعمال"، ربّاهم على الفساد؛ وتكاد الأموال أن تنعدم الآن كي يُرشي موالين يسيطر على تفكيرهم الهجرة أو الهروب أو الموت.
وأمنياً لا يعرف أفراده متى تأتي الطلقة أخلاقياً عبر وشاية أو تقرير، أو جسدياً عبر قاذف صامت. وإرهابياً، داعش قد تخدم الجميع، إلا هو، لانكشافه السافر كمولّد وراع لها.
وتطبيعياً، لم يتمكّن من تقديم أوراق اعتماده للدول إلا بموافقة إيرانية، وكان هذا سر فشله.
وهكذا، بقي خياره الوحيد إشهار العمالة لإسرائيل؛ وهذا سيسرّع بالسقوط المدوّي.
خلاصة القول، ان بيت الأسد الداخلي الآن هشٌ وآيل إلى السقوط؛ ونجاته الوحيدة تتمثّل بفك ارتباطه بإيران. لكن هذا يبدو مستحيلا: فهو لا يستطيع الاستمرار معها؛ ًولا الانفصال عنها.
لنا أن نتخيّل ان يُقَدَّم حراك ثوري سوري جديد، كالذي نشهده في السويداء… نموذجاً سورياً بديلاً توافقياً وقادراً على تصحيح مسار جغرافي سياسي عالي القيمة مثل سوريا.
هذا النموذج ينهي التبعية لايران، ويمنع أن تكون الارض السورية فضاءً خلفياً عملياتياً لوجستياً للاذرع التابعة لإيران.
لنا أن نعرف مدى انعكاس ذلك إيجابياً على سوريا، ثم لبنان والعراق، بل واليمن أيضاً كمجموعة ضاربة تخادمية إيرانية الأجندات.
إن النموذج الموازي يقطع على منظومة الاستبداد ريادته للمشهد الداخلي؛ ويقلص خيار إعادة التعاطي معه تحت اي قواعد إذعان جديدة تقدّمها لتجديد عقده التخادمي. وهكذا يصبح القياس بين نموذجين:
- قديم فَسُدَ وفَشِلَ و تورّط بتحالف مارق منبوذ من شعبه ومن العالم يحاول تجديد أورق اعتماده،
– وحراك سوري عام متماسك يفتح باباً لسلام مستدام.
إلى السوريين، أينما كنتم، توجهوا إلى العمل، وإلى إعمال العقول النيّرة، والهمم العالية، والنوايا الطيبة؛ وبيد واحدة لاستعادة سوريا الواعدة التي تستحقون.