: آخر تحديث

الحروب ليست كما كانت!

8
6
7

في حروب إسرائيل مع العرب كان التفوّق الإسرائيلي الجوي هو من يحسم المعارك لصالح إسرائيل، وكان العدو يمتلك هذه الخاصية، وهذا التفوق، بدعم أمريكي وغربي غير محدود، وكانت القدرات العربية محدودة في تصديها للطائرات الحربية الإسرائيلية، ما جعل الانطباع عن الجيش الإسرائيلي أنه جيش لا يُقهر ولا يُهزم، اعتماداً على نتائج حروب إسرائيل مع العرب، وأيضاً حروبها مع الميليشيات العربية والفلسطينية.

الآن تغيرت المعادلة، ولم تعد إسرائيل في مأمن من وصول المسيرات والصواريخ إلى الأراضي المحتلة، ولا من تأثيرها في المستوطنات، ما جعل إسرائيل تطلب من السكان إخلاء أماكنهم، والتوجّه لى مناطق آمنة، مع استخدام صافرات الإنذار لتنبيههم بأنهم مستهدفون في مسيرة قادمة، وهو ما أربك الجيش الإسرائيلي، وأصبحت حدوده مع لبنان وقطاع غزة في حالة استنفار دائم.

هذا حدث مع انتشار الطائرات بدون طيار التي أصبحت إحدى أدوات وأسلحة القتال المهمة مع رخص ثمنها وسهولة تصنيعها وقوة تأثيرها، ما ساعد الجيوش وحتى أحزاب المقاومة والميليشيات في الاعتماد عليها في حروبها مع أعدائها، وما جعل الجيوش المُنظَّمة تجد نفسها في مواجهة لقوى غير نظامية، ولا تخضع لسيطرة الدول، وتفعل أفعالها باحترافية في الميادين المستهدفة في معاركها.

ففي حرب غزة على سبيل المثال، فإن الصواريخ العابرة من غزة إلى إسرائيل، وكذلك الطائرات المسيرة تحدث اليوم تغيرات في موازين القوى، فلم تعد المقاومة الفلسطينية في موقع الدفاع، وإنما هي الآن تهاجم المواقع التي تستهدفها داخل إسرائيل بما فيها تل أبيب، ومثل ذلك حزب الله من لبنان، حيث تطلق مسيراتها وصواريخها، وتحدث أضراراً بشرية في إسرائيل مثلها مثل حماس والجهاد.

ربما يقود هذا التغير في تكتيك الحرب مع إسرائيل إلى قبول إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة الفلسطينية واللبنانية، وتفهم تل أبيب بأن لها مصلحة في إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة، وفق ضوابط تحقق الأمن والاستقرار لإسرائيل وفلسطين معاً، وإن كان الجميع يراه بعيداً، بينما يراه الفلسطينيون قريباً.

إذا حدث هذا، مع تعقيدات قيام الدولة الفلسطينية، وممانعة إسرائيل على قيامها حتى الآن، متجاهلة اتفاق أوسلو، والمبادرة العربية، وقرارات الشرعية الدولية، فإن منطقتنا سوف تشهد أمناً واستقراراً كانا غائبين، وتنمية شاملة لم تشهدها من قبل، واستثماراً لوارداتها بما يحقق الرخاء لشعوب المنطقة، وبالتالي حرمان الدول الكبرى من استثمار هذا الصراع وتشجيعه لتحقيق مصالحها ومكاسبها في المنطقة.

ومن المؤكد أن إسرائيل لا يمكن أن تحتفظ بالأراضي المحتلة، ويستمر احتلالها لها، وتجمع بينها وبين السلام، فالسلام ليس مقابل السلام كما تريد إسرائيل، وإنما السلام مقابل الأرض، وأعني إعادة الأراضي الفلسطينية لأصحابها، والشروع بإقامة دولة لهم عليها، وبغير ذلك لن يكون هناك سلام، ولا أمن، ولا استقرار.

الكرة الآن في مرمى أمريكا والغرب من جهة ولدى إسرائيل من جهة أخرى، وسنوات العسل القائمة بينهم برفض الدولة الفلسطينية يجب أن تنتهي بإعادة الحقوق المشروعة للفلسطينيين، لتبدأ سنوات عسل قادمة تعتمد بجدية وصدق على خيار الدولتين، وما عدا ذلك، فإن الصراع سوف يستمر، ولن يستفيد أي أحد منه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد