أصبح الموقف الرسمي الأمريكي يراوح يومياً ما بين القول ونقيضه، تجاه حرب إسرائيل في غزة، وحول قضية حق الفلسطينيين في دولتهم، ما بدأ يستحث حلفاء أوربيين لأمريكا على المطالبة بإجراءات تختلف عن النهج الأمريكي الثابت. ووصل الأمر إلى طرح الدعوة لتحمّل أطراف دولية، تكون أمريكا واحدة منها، مساعي حل النزاع وتحقيق السلام.
بل إن تناقضات إدارة بايدن صارت محل تناول جهات أمريكية، منها شبكة «إن بي سي» التي قالت إن بايدن صار، وهو يخاطب الأمريكيين، يعلن لهم روايتين مختلفتين عن بعضهما بعضاً، حول الحرب في غزة، وهو نفس ما قالته عنه وكالة أسوشيتدبرس، من أن بايدن لم يكن يضع كأولوية له، مباحثات حل النزع بين إسرائيل والفلسطينيين.
ولما كانت فكرة إيجاد بديل دولي عن انفراد أمريكا بمساعي الحل بعد أن تجمد موقفها عند القول من دون الفعل، فإن ذلك قد لفت الانتباه إلى الرسالة المفتوحة لبايدن من ماري روبنسون، أول امرأة ترأس جمهورية أيرلندا، والتي قالت فيها أن أمريكا وحدها لا تستطيع جلب السلام إلى الشرق الأوسط.
وأضافت موجهة كلامها إلى بايدن، إنك تستطيع المساعدة على بناء ائتلاف جديد من أجل السلام إلى الشرق الأوسط، بحيث يضم الائتلاف دولاً من المنطقة، ومن أوروبا، ممن يؤمنون فعلاً بإيجاد تسوية سلمية، وإعادة بناء الثقة التي يحتاجها إقامة حوار يحقق فعلاً السلام.
ولإيضاح المكانة الدولية لماري روبنسون، فهي كانت أكثر رؤساء أيرلندا شعبية، بحيث إن نسبة القبول بها من الرأي العام بلغت 93%، وبعد تركها منصب الرئاسة تفرغت لقضايا الدفاع عن حرية الشعوب وحقوق الإنسان من خلال الأمم المتحدة، وشغلت منصب السكرتير العام للمؤتمر الدولي ضد التمييز العنصري.
وبدأت تظهر في أوربا بدايات تحركات ليست متطابقة تماماً مع السياسة الأمريكية، منها على سبيل المثال اشتراك ديفيد كاميرون وزير خارجية بريطانيا، وآنالينا بيريوك وزيرة خارجية ألمانيا، في نشر مقال مشترك بصحيفة «صنداي تايمز» البريطانية، يؤكد الحاجة العاجلة لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وبشكل سريع ودائم لتمهيد الطريق أمام سلام دائم.
وهناك أيضاً وقوف كاترين كولونا وزيرة خارجية فرنسا في مؤتمر صحفي مشترك في تل أبيب، مع وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين، لتعلن قلق بلادها البالغ تجاه الوضع في غزة وتطالب بهدنة جديدة وفورية ومستدامة للحرب في غزة.
هذه المواقف آخذة في طرح رؤيتها، في أعقاب تجمد موقف إدارة بايدن، في إطار نظري، يقول بحل الدولتين، لكنه غائب عن التطبيق الفعلي لما يقوله. ما ظهر منذ أيام بما أعلنه الرئيس بايدن في حفل استقبال بالبيت الأبيض من أن حكومة نتنياهو تعارض حل الدولتين. ومع ذلك، فهو مستمر في دعم تلك الحكومة بالسلاح والمعدات العسكرية والمالية بنحو 14 مليار دولار سنوياً، ما يشدد من تصرفات نتنياهو. هذه السلسلة من التناقضات دفعت عدداً من المتابعين أولاً بأول لتفكير حكومة بايدن، من خلال عملهم كخبراء في مراكز دراسات سياسية، للتركيز على ما يتوقعونه هم، وليس الاكتفاء بالتكهنات، منهم ديفيد أرون ميلر، الذي سبق له العمل مع أربع رؤساء، وكان مكلفاً بالتفاوض مع إسرائيل والفلسطينيين حول إيجاد حل سلمى ونهائي، وقال ميلر– وهو يهودي– إن بايدن يجد نفسه في موقف المتذمر من حكومة حليفة لأمريكا في إسرائيل، لكنه لا يفعل شيئاً أكثر من التذمر.
الوضع الحالي يظهر أن الجدران السميكة والصلبة التي بنيت في مواجهة أي تحرك، ولو لخطوة واحدة لحل القضية الفلسطينية، يقويها ويدعمها تراخى الموقف الرسمي الأمريكي. وهو ما بدأ يفرز توجهات من أطراف منها دول حليفة لأمريكا، تنادي بإيجاد مناخ مختلف، وبمشاركة أطراف متعددة لحل نزاع يمكن أن تترتب عليه تداعيات ليست في مصلحة دول العالم، بشكل عام.