: آخر تحديث

قلق مشروع...

7
7
8
مواضيع ذات صلة

بعبارة فجرت بداخلي الظنون في نوايا جارتنا الواقعة على امتداد الخليج العربي الشرقي، والتي يرشدنا سلوكها إلى كم التجاوزات في علاقاتها مع دول مجلس التعاون، هذا منطوقها: «يخيم التفاؤل على الأجواء في إيران...»، تناولت بعض وكالات الأنباء خبر الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ولكن في الاتجاه المعاكس، وبسبب الإفراج عن هذه الأموال تساعية الأصفار خيم القلق إقليميا ودوليا، وانتاب كثير من الدول المتجاورة في الإقليم مع إيران الوساوس بسبب حصولها على هذه المبالغ الطائلة، والتي قيل إن صرفها تم بناء على اتفاق تبادل الأسرى المبرم في شهر أغسطس بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة قطرية، وأنه مقيد بشراء حاجيات إنسانية فحسب، مثل المواد الغذائية والأدوية. فهل لهذا القلق ولهذه الوساوس لدى دول وشعوب الإقليم ما يبررها؟

 إجابتي الشخصية اليقينية عن السؤال السالف هي نعم؛ إن لهذا القلق ما يبرره؛ ليس لأن ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية وفي وقت مبكر جداً قبل تحويل الأموال إلى حساب خاص في قطر بوصفها الدولة الوسيطة للتوصل إلى هذه الصفقة، قد فاجأ الجميع بتصريح يتحدى فيه الولايات المتحدة الأمريكية قال فيه: «إن بلاده يمكنها أن تشتري أي سلعة غير خاضعة لعقوبات أمريكية، وأن تستخدم بالكامل تلك الأموال المفرج عنها» وليس فقط لشراء الأدوية، وإنما أيضا بناء على مؤشرين اثنين:

 أول هذين المؤشرين نابع مما عُرفت به إيران لدى القاصي والداني من عدم احترامها الدائم لمختلف تعهداتها، بل إنها لا تعير اهتماماً لقواعد التعامل الدبلوماسي بين الدول، ولا تبدي احتراماً لجيرانها وهذه تجربة سنين طويلة من الجيرة الجغرافية القدرية، ولهذا فإنها وبالدفع المالي الضخم سوف تستأنف تمويل الجماعات الإرهابية في البلدان الخليجية وستمارس لعبتها في زرع الفتن في مجتمعاتها ولن يردعها في ذلك تهديد الولايات المتحدة الأمريكية الذي لا يتجاوز مداه الإعلام، وثانيهما مبادرتها مؤخراً إلى سحب اعتماد عدد من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مما يعني عدم تخليها عن نوايا استغلال الطاقة النووية لغايات غير مدنية وإصرارها على امتلاك السلاح النووي لفرض هيمنتها وإطلاق يدها على محيطها الإقليمي. وهذا الكلام ليس من جملة التخرصات وإنما مبني على جملة من الممارسات الإيرانية منذ نجاح انقلاب الخميني على نظام الشاه. فها نحن منذ الآن بدأنا نسمع عن تدخلها في شؤون مملكة البحرين؛ وذلك بتصريح جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية نفسه لا يختلف عن سلوك الكثير من ملالي إيران وساستها وصحفيها، اعتبرته وزارة الخارجية البحرينية تدخلا في شؤون البحرين الداخلية.

 قلق الدول والشعوب وخوفها مبرر؛ لأن تجربة ما يزيد على أربعة وأربعين سنة من حكم الملالي في إيران أعطت اليقين بأن لا علاجات ممكنة بالدبلوماسية لتحسين العلاقات مع هذا النظام، كما أن التاريخ يخبرنا بأن لدى إيران فائض خيال ومتراكم غرور بتفوق حضاري وثقافي على العرب وتود لو أنها سخرت ما يمكن أن ينتجه برنامجها النووي ضدهم لتكون لها اليد الطولى في رسم مستقبل الإقليم. فكل ما من شأنه أن يقوي هذه البلاد المارقة يذهب إلى تعزيز نواياها الشريرة ويؤسس لإيقاد نيران الفتن في دول الإقليم.

 وباستثناء الذيول من المتمتعين بعطايا النظام الإيراني مقابل بقائهم رهن إشارة تنفيذ ما يحقق المصلحة الإيرانية، نعتقد نحن الخليجيين الذين عانينا كثيراً من التدخلاب الفجة في شؤون بلداننا السياسية وفي شؤون مجتمعاتنا العقائدية والقيمية، أن إيران بهذه الدفعة من الأموال ستذهب بعيداً في ممارسة أدوارها العبثية القذرة في زعزعة أمن منطقة الخليج العربي واستقرارها، وأنها ستستمر في سياسة العبث ببعض البلدان التي تمارس فيها نفوذاً صريحاً لا تخفيه الأحزاب الدينية الطائفية كـ«حزب الله» في لبنان وأحزاب كثيرة لا تسع المساحة لعدها في العراق؛ حتى تبقيها نهبا لصراعات طائفية تباعد بين هذه الدول وبين استقلالية قرارها الوطني وبينها وبين معاني السيادة الوطنية مباعدة تتحول معها إلى مجرد ورقة ضغط تناور بها إيران كلما ضاق بها الخناق.

 إيران بكل عنجهية وصلف ملالي الحكم فيها وبالتصريح الأخير للمتحدث باسم وزارة خارجيتها تعني ما تقوله؛ لأنها تعلم علم اليقين أن الولايات المتحدة الأمريكية منشغلة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وبمعركة الانتخابات الرئاسية وما رافقها من سيل القضايا المرفوعة ضد دونالد ترامب لإبعاده عن المنافسة ومن تحقيقات مضادة جارية لعزل الرئيس بايدن، وهي تدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست في وارد تنفيذ تعهداتها ولا في وارد مراقبة ما يعقد مع نظام الملالي من اتفاقات وموافقات المراقبة الدقيقة. وفي مقابل هذا الصلف الإيراني بمناوراته البائسة نأمل نحن الخليجيين أن يعود الرشد إلى حكام إيران حتى تعود علاقاتنا مع بلدهم إلى مستوى يليق بدولة جارة مسلمة، وحتى تُرسى علاقات جديدة نظيفة بعيدة عن الأحقاد والعقد النفسية وأمراض الهويات القاتلة تسمح بتعاون الدول جميعها للحفاظ على أمن الخليج العربي وسلامه وللتفكير في مستقبل شعوب المنطقة بعيدا عن أشباح النزاع والصراع.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد