: آخر تحديث

لعبة الحرب

14
12
19
مواضيع ذات صلة

تحكي قصة قصيرة أجنبية لم أعد أذكر اسم كاتبها، عن جدٍّ يفزعه بكاء مفاجئ لحفيده الذي كان يتفرج على التلفزيون في صالة الشقة، وحين هرع الجدّ نحو الحفيد وجده يشير إلى رجل على الشاشة وهو يحمل بيده مسدساً، بدا للطفل أنه مصوّب نحوه، وأن الرجل يستعد لإطلاق النار عليه، فهدَّأ الجدّ من روع الحفيد الصغير جداً، قائلاً له: لا تخف، أنا سأقتل هذا الرجل الآن، وفي حركة تمثيلية صوّب الجد سبابته نحو شاشة التلفزيون وهو يصدر صوتاً من نوع: «طاخ.. طاخ»، وفي حينها صادف أن الرجل على شاشة التلفزيون قد أنزل يده التي بها المسدس، وفق مقتضيات المشهد الذي يمثله.

لم ينته فضول الطفل تجاه المسدس وعملية القتل بانتهاء ذلك المشهد. نشأ لديه ولع بشراء ألعاب على هيئة أسلحة: مسدسات وبنادق، وصارت لعبته المفضلة أن يؤدي دور مطلق النار من مسدسه الخشبي أو البلاستيكي تجاه أشباح يتخيلها أمامه، مطلقاً أصواتاً شبيهة بتلك التي أطلقها الجد وهو يصوّب سبابته نحو الرجل – الممثل على شاشة التلفزيون، حيث يتوهم الحفيد أنه أردى تلك الأشباح التي يطلق عليها نيران مسدسه قتيلة.

ذات صباح أو مساء، دعا الحفيد جدَّه لمبارزة معه، ووافق الجدُّ على ذلك طالما أن الأمر سيرضي الحفيد ويحقق له المتعة، ومثل أمامه، كأنه يقول للطفل: هيا أطلق عليّ النار. اقتلني! مستمتعاً، راح الطفل يصوّب مسدسه نحو الجدِّ، الذي يتظاهر له بأنه أصيب بجراح، وهنا سيتوقف الحفيد مخاطباً الجد (الجريح): هيا! الآن دورك، ولما استفسر الجدُّ عن قصده، أجابه: أطلق النار أنت عليّ.

كان الحفيد البريء يحسب أن الأمر لا يتعدى حدود اللعب بين اثنين، عليهما أن يتبارزا، ولم يخطر في باله أن المحارب لا يطلب من خصمه أن يطلق عليه النار، بل يرديه قتيلاً قبل أن يفعل، ولم يرُق له أن الجدّ دخل المبارزة دون أن يحارب، مكتفياً بدور الضحية، شعوراً منه بأن ذلك هو ما سيرضي حفيده، لأنه نجح في إصابته.

إنها مخيلة طفل على كل حال. الحرب الحقيقية غير تلك التي مثّلها مع جدِّه، لكن ذلك لا ينفي عنها فكرة أنها هي الأخرى لعبة، يبدأها أحد طرفيها، أو أطرافها، ظاناً أنه يمارسها كلعبة، سيخرج منها ظافراً بسرعة وبدون خسائر، تماماً كما أراد الجدّ أن يهيّئ لحفيده الظفر عليه، لكن الحرب الحقيقية تدار بأسلحة تقذف حِمَماً، تقتل بشراً وتدمر مدناً، صحيح أنها تبدأ بشرارة، لكن العرب قالتها قديماً:«معظم النار من مستصغر الشرر»!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد