: آخر تحديث

ليبيا.. غياب التوافقات وتعدد المسارات

26
26
24
مواضيع ذات صلة

مع استمرار حالة التجاذب الراهن بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، والدوران في حلقة مفرغة، فإن السؤال المطروح ماذا بعد؟ وهل يمكن أن يكون هناك مسار للحل في ظل ما يجري، وتعقد وتشابك الموقف بين الأطراف المختلفة.

الواضح أن المبعوث الأممي عبد الله باتيلي يتحرك في مساحات متعددة، ورحبة من أجل تكشف الموقف، ومسعاه لطرق باب جديد قد يتمثل في الدعوة لمبادرة أممية جديدة، أو العمل على آلية، أو منهج جديد يمكن أن يقرب وجهات النظر في ظل الخلافات الراهنة لأنه من دون ذلك فإدارة المشهد الليبي ستستمر في طريقها، ولن تتوقف خاصة مع تمسك كل طرف بمواقفه، والحفاظ على موقعه، وهو ما سيزيد الموقف الراهن تعقيداً في حال الاتجاه إلى تبني خيار العنف، وعودة الصراع العسكري ليحسم الخلافات الراهنة.

قد يكون الحل المتداول العودة لصيغة مشابهة لملتقي الحوار السياسي بجنيف، والذي كان جيدا، ويمكن أن يكون المنطلق الرئيسي الذي يمكن العمل من خلاله في الفترة المقبلة خاصة، وأنه أنتج بالفعل السلطة الحالية في طرابلس، وبرغم تحفظ البعض على وسيلته، إلا أنه قد يكون المدخل المهم للتعامل عبر تشكيل لجنة للحوار يتركز هدفها في الإشراف على تنظيم مسارات الحل المطروح، وبناء توافقات مهمة في هذا الإطار، وقد يكون منطلق المبعوث الأممي العمل على أكثر من مسار، مع استمرار انفتاحه على الدول المعنية بالملف، ومنها الجزائر والمغرب ومصر، إضافة إلى الدول الوازنة دولياً، ومنها الولايات المتحدة وإيطاليا وروسيا بدليل تكثف الاتصالات الأوروبية مع الأطراف الليبية مؤخراً، وسيكون الهدف التكتيكي الانتقال إلى تنفيذ الاستحقاقات المؤجلة وفق خريطة زمنية محددة لا تزيد عن عامين، وقد تقل وفقاً لتوافر الإرادة السياسية للطرفين مع تواجد توافقات من قبل الأطراف الدولية خاصة أن التوصل إلى توافق مبدئي بين رئيسيْ مجلسي الدولة والنواب خالد المشري وعقيلة صالح، سيكون المدخل لما يمكن أن يتم من خلال تمرير الوثيقة الدستورية، ومن دون ذلك لن يمكن طرح أية مقاربة من أعلى على اعتبار أن هذا الأمر قد يؤدي لمزيد من تعنت بعض الأطراف التي سترى في حل الأمم المتحدة، ومبعوثها أمراً غير مقبولاً، ومفروضاً من أعلى.
اللافت أيضا دخول الولايات المتحدة على خط ما يجري بدليل عقد لقاءات بين مسؤولين في السفارة الأميركية في طرابلس، وبعض قادة التنظيمات المسلحة (معمر الضاوي) في إشارة إلى أن الإدارة الأميركية تسعي للتواجد في تفاصيل ما يجري، وإيجاد حكومة موحدة، مع الوضع في الاعتبار أنه هدفها إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، مع العمل على توحيد الرؤية الخاصة بحسم التباين بشأن إيجاد القاعدة الدستورية المنظمة للعملية الانتخابية، مع استمرار التعامل مع الجيش الليبي ممثلا في خليفة حفتر أو الدبيبة، وهو ما ترجم وبقوة في زيارة مدير المخابرات المركزية ويليام بيرنز مؤخرا لليبيا، والمؤكد أن الإدارة الأميركية باتت تتحرك في إطار مسار محدد يعمل في الضغط على المشير حفتر لاستيعاب التنظيمات في الغرب، ولكن ليس من خلال آليات تنظيمية أو هيكلية مع التحسب لأي ردود فعل من قبل هذه التنظيمات المسلحة، ومسعاها لعرقلة العملية الانتخابية، ويرتبط التحرك الأميركي بالعمل على كسب الوقت، وعدم إطالة أمد المشهد الراهن في ظل تكريس بعض الأطراف، ومنها تركيا للموقف الراهن، وفي ظل إعادة ترتيب المشهد أمنياً واستراتيجياً، وهو ما تضعه بعض الأطراف محل اعتبار حقيقي في ظل المساعي الراهنة للتوصل لحل.

ومع تعقد الموقف السياسي يتجه المشهد الاقتصادي لمزيد من الاحتقان بعد إغلاق الحقول والموانئ الليبية، ووقف خطوط إمدادات الغاز إلى إيطاليا في كل المناطق الواقعة في سرت، وذلك بعد توقيع حكومة الدبيبة مع إيطاليا اتفاقاً على اعتبار أنه اتفاق غير شرعي، وهو ما سيهدد بإغلاق العديد من الحقول في الجنوب الشرقي، وبالتالي سيغلق «مجمع مليته للنفط»، وهو ما يمثل النقطة الرئيسة لخط الغاز بين ليبيا وإيطاليا، ويشار إلى أن مناطق متعددة في جنوب ليبيا قد شهدت احتجاجات للمطالبة بتوافر الوقود، والمعنى أن هناك بوادرَ لتأزم داخلي شعبي محتمل سيؤثر على ما سيثار من خيارات سياسية مطروحة لتقريب وجهات النظر.

مجمل القول إنه من دون تقارب داخلي بين طرفي المعادلة الليبية المعقدة، قد تتأخر فرص ومسارات التحرك الدولي للتوصل لنقطة بداية في ظل ما يجري على الأرض، وتعدد المواقفة لبناء خريطة طريق جديدة بدلا من الدوران في حلقة فراغ من جديد سيكون الخاسر الأول والأخير من تبعاتها هو الشعب الليبي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد