: آخر تحديث

لماذا التوجه الأميركي نحو أفريقيا؟

9
11
11
مواضيع ذات صلة

ثمة بحث للأكاديمي خالد التزاني يشير في مقدمته: بخلاف الدول الأوروبية، فإن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك امتيازًا خاصًا، متعلقًا بعدم وجود تاريخ أو ماض استعماري مشترك مع القارة الأفريقية، وهو الماضي الذي ترك ذكريات سيئة في تاريخها.

ويمكن للولايات المتحدة أن تلعب على وتر الأصول المشتركة مع أفريقيا، ولكن في الوقت الراهن أصبحت مصلحة الولايات المتحدة مرتبطة برؤيتها الاستراتيجية الشاملة، وبحاجات اقتصادها الوطني، وكذلك باستكمال سيطرتها العسكرية على العالم.

ثمة أسئلة تطرح وعلى رأسها: كيف تطور الاهتمام الأميركي بالقارة الأفريقية؟ وما هي الأسباب التى دفعت الولايات المتحدة إلى التفكير بعد سنوات من عدم الاهتمام؟ وما هي الأهداف التي حددت للقيادة العسكرية الأميركية في تلك القارة؟

وفي محاولة الإجابة عن تلك الأسئلة، لقد اتضحت ملامح السياسية الخارجية الأميركية اتجاه أفريقيا منذ بداية العام 1998، إذ سعت إدارة الرئيس كلنتون إلى تأسيس شراكة أمريكية - أفريقية جديدة. وترجع أهمية القارة الأفريقية في الحسابات الأميركية إلى عوامل متعلقة أولاً بالعقيدة الأمنية الأميركية متعددة الأبعاد، وثانيًا، إلى عوامل متعلقة بأفريقيا، حيث تحتوي على ثروات ضخمة، وثالثًا، إلى عوامل متعلقة بتجاذب القوى بين النظام الدولي على الموارد في ما يخص المنطقة ولاسيما في شمال أفريقيا، وارتباطها في أي توازنات مباشرة أو غير مباشرة بالمشاريع الشرق اوسطية. ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول الأفريقية إلى التحرر من هيمنة القوى الكبرى، وإيجاد توازن في إطار شبكة العلاقات الدولية القائمة والمستقبلية، تأتي أهمية المراجعات لمواقف الدول الكبرى وذلك بإعادة القراءة لأدوارها التاريخية في ظل ما طرأ من معادلات جديدة في حلبة الصراع والتنافس الدولي على القارة الأفريقية، خاصة بين الولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا.

ليس للولايات المتحدة حدود لأطماعها وإرادة هيمنتها على العالم مهما كانت المسافات الفاصلة بينها، فالإدارة الرأسمالية الأميركية حدودها تنتهي مع إنتهاء مصالحها، ومصالحها لا نهاية لها ولا سقف لها. أميركا تنظر إلى أفريقيا على أنها المنطقة السحرية والساحرة ورائحة الغاز والبترول والذهب واليورانيوم يسيل لعابها ويجعلها تطمع وتخطط للهيمنة عليها. فأفريكا من وجهة نظر الكاتبة والباحثة التونسية د. بدرة قعلول، تخطت أن تكون شرطي العالم لتصبح أكبر شركة عالمية مستثمرة رأسمالية تريد فرض هيبتها مهما كان الثمن «يموت من يموت ويعيش من يعيش» المهم تحصيل الثروة والنفوذ على جثث جماجم البشر. القارة الأفريقية تثير شهية الأميركان وتعتبرها القارة الأكثر جاذبية وخاصة الغرب الأفريقي الذي يضم أربع عشرة دولة تتجمع في تنظيم «إيكواس». ويتميز الإقليم بالعديد من المميزات التي تمنحه الجدارة ليكون ضمن أبرز الأولويات في أجندة السياسة الخارجية الأميركية. هذا الإقليم يعتبر ذا أهمية قصوى، فهو يتميز بثرواته وموارده الإستراتيجية ومعادنه النفيسة، وثقله السكاني، ومصدرًا هامًا تستعمله أميركا للمهاجرين غير الشرعيين واللاجئين. تؤكد التقارير الدولية أن 70% من النفط الأفريقي يتمركز بالغرب الأفريقي إذ يزخر الإقليم بثروات هائلة، تجعله محط أطماع الكل وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، ونصف الاكتشافات النفطية التي شهدها العالم مؤخرا من نصيب الإقليم، خاصة في منطقة خليج غينيا. علاوة على النفط يحظى الإقليم بثروات أخرى كبرى بنحو 60% من اليورانيوم الأفريقي، و40% من الإنتاج العالمي للكاكاو، بالإضافة إلى الألماس والذهب والأخشاب والمطاط والثروة السمكية. كما تتمتع نيجيربا وهي الدولة القائد للإقليم بوضع فائق الخصوصية، باعتبارها المصدر الرابع عالميا للغاز الطبيعي، والمنتج الأول للنفط في أفريقيا، وسابع مصدر عالمي للنفط إلى الولايات المتحدة، والثامن عالميا في إنتاج الأخشاب.

ومن الناحية السكانية لا يقل الإقليم أهمية عن ثرواته النفطية، فهو يتمتع بثقل سكاني كبير في أفريقيا، حيث يضم نحو 367 مليون نسمة، بما يمثل 30% من إجمالي سكان القارة، وهو ما يجعله سوقا استهلاكية كبرى وقريبة من المنتجات الأميركية، ومحورا جاذبا للمستثمرين، خاصة في قطاعات التعدين والتجارة والاتصالات والنقل. كما يرتبط الإقليم أيضا بالعديد من مصادر التهديد للمصالح الأميركية، وذلك نتيجة لتنامي أنشطة الإرهاب، الذي تمارسه حركات الإسلام السياسي الراديكالي، والتي تناصب الولايات المتحدة العداء، وتعتبرها المسؤول الأول عن جل مشكلات العالم الإسلامي. وبالرغم من كثرة العراقيل التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية بالغرب الأفريقي، فإنها لم تبتعد بل هي موجودة في عمق الاقتصاد الإقليمي خاصة مع قطاع النفط الذي يعتبر المحدد لسياستها إزاء الإقليم، حيث تتبنى واشنطن استراتيجية لزيادة وارداتها إلى 60%، مع تنوع مصادر وارداتها من إمدادات الطاقة، في ظل المشكلات المحيطة باستيراد النفط من الخليج العربي. فالغرب الأفريقي بالنسبة للإدارة الأميركية هو البديل الأساسي للنفط والغاز العربي وخاصة دول الخليج، ولهذا يجب أن تؤمن احتياجاتها النفطية من القارة السمراء ولا يمكن أن تتخلى عنها مهما كانت العراقيل والتحديات. هذه الحسابات النفطية وحسابات الرأسمالية المتوحشة الأميركية انعكست ممارساتها بالغرب الأفريقي خاصة فيما يتعلق بـ«أصلها التجاري» المزعوم مثل الديمقراطية وحقوف الإنسان، ومحاربة الفساد والإرهاب، والمساعدات الإقتصادية، حيث بدت واشنطن مدفوعة بحسابات المصالح، وتحليل التكلفة والعائد أكثر من الالتزام بالقيم والمبادئ، التي تدعي الدفاع عنها وحمايتها عبر العالم، في إطار تحسين صورتها القومية التي أصبحت مهترئة كثيرًا في بقاع الأرض. هذا ما يبرز الوجه الحقيقي لأميركا المتشدقة بالديمقراطية وحقوف الإنسان، كما يؤكد أن السياسة الأميركية في غرب أفريقيا لا تنظر بعين الإنسانية لمشاكل الإقليم والبلدان الأفريقية، بقدر ما تحركها رائحة النفط والثروات الطبيعية للقارة.

لن تقدم إدارة بايدن شيئًا جديدًا للقارة الأفريقية. إن القمة الأميركية - الأفريقية التي انعقدت في ديسمبر 2022، ليست سوى خطوة محسوبة من جانب واشنطن ضمن محاولاتها احتواء التأثير الصيني في أفريقيا. لقد فشل المشروع الأميركي الشهير «AGOA قانون نمو وفرص أفريقيا» وتبين بانه مجرد عصرنة لمخيمات العبودية في أفريقيا. في لقاء مع الكاتب الكيني التقدمي بوكر أومولي، ترجمة موقع «قاسيون»، يشير فيه إلى أن موقف المنظمات والأحزاب الأهلية الأفريقية كان مناهضا للقمة، رغم وعود التنمية الكبيرة التي اطلقتها الولايات المتحدة.
في حين يرى إن «مناطق المعالجة الاقتصادية» التي يتم تشغيلها من قبل الشركات الأميركية متعددة الجنسية عبارة عن زنازين للموت. هذا هو المكان الذي تسود فيه الفوضى الرأسمالية التي يقوم ما يسمى بالصناعيين فيه بالتضحية بمصالح العمال من أجل الربح. إنهم يضغطون على الحكومة الفاسدة من أجل الحوافز غير الأخلاقية مثل الإعفاءات الضريبية، وتعليق قوانين العمل، والمياه والكهرباء المدعومة. ليس لدي الولايات المتحدة أية سياسة خارجية ليست مرتبطة بمصالح رأس المال الكبير. لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل في استغلال أفريقيا من أجل منتجاتها الزراعية. هل ترى أن الأميركيين يحاولون عبر هذه القمة أن يقدموا رشوة للقادة الأفارقة للتحالف معها ضد الصين؟ الولايات المتحدة قد أتقنت لعبة العصا والجزرة تجاه أفريقيا من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. تمكنت الولايات المتحدة - بالتعاون مع الحكومات الفاسدة - من إلحاق أسوأ أنواع الأذى بشعوب القارة.

واليوم مع انتخاب دمى الأميركيين في زامبيا وكينيا، سيتم تصعيد العدوان ضد طبقة الفقراء المهمشين لمستويات جديدة. ستجني النخب الأفريقية الفاسدة وشركاؤهم الإجراميون في النظام الأميركي الاستعماري ثروات طائلة على حساب الطبقة العاملة الفقيرة. نتوقع أن تمضي إدارة بايدن في أجندتها المعادية للصين إلى مستوى جديد، فهذه هي السياسة الوحيدة التي يضعونها في حسبانهم عند التعامل مع الشعب الأفريقي. المنظمات الأميركية غير الحكومية تقوم بالفعل بما يتقنونه بالفعل: تجهيل الشعب الأفريقي سياسيا وجعل الأغلبية يخرجون من الواقع من خلال السياسات الفاشلة عن حرية الشركات. طالما بقيت أفريقيا مرتبطة ارتباطا وثيقا باقتصادات الدول الاستعمارية، فالاستغلال لا بد أن يتفاقم. لن يكون غريبًا أن نشير إلى أن الولايات المتحدة مع أكثر من 200 عام من التاريخ غارقة في الدم والدموع كمركز للعمل القسري والرقيق.

إنها الدولة التي قادت الانقلابات والغارات الجوية العديدة على الدول لمنعها من التقدم. شعب أفريقيا عانى من هذه الشرور على مدى قرون.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.