: آخر تحديث

المعالجات الأمنية الفردية لا تكفي

27
25
28
مواضيع ذات صلة

كعادته في اللقاءات التي تتطلب شحذ الهمم وتكثيف الجهود لتنشيط العمل العربي المشترك وتمتين التعاون، أكد معالي وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في كلمته أمام مجلس وزراء الداخلية العرب في دورته التاسعة والثلاثين التي انعقدت في أرض الياسمين، تونس الخضراء، قبل أيام، على الحاجة الدائمة إلى الجاهزية الأمنية في إطارها العربي الجمعي للذود عن أمن الأراضي العربية وسلامتها واستقرار مجتمعاتها، انطلاقا من القاعدة الأساسية التي تقول: لا تنمية ولا تقدم بدون أمن واستقرار. كما أشار إلى أهمية الحفاظ على الأمن العربي من خلال «التزام الدول الأعضاء بأمن بعضها البعض، وعدم استغلال أراضيها في التدخل في شئون الدول الأخرى الداخلية». وقد انطلق معالي الوزير من تجربة مملكة البحرين وبعض الدول العربية الأخرى التي عانت في بعض المحطات التاريخية من تدخل دول في شئون دول أخرى جارة لهذه الدولة أو تلك.

 دعوة معالي الوزير هذه ثابت من ثوابت العقيدة الأمنية والعسكرية البحرينية، فتجدها مع دعوات مشابهات لها في أكثر من كلمة له في الاجتماعات السابقة للمجلس كالدورة الحادية والثلاثين والثالثة والثلاثين وغيرهما؛ ففي اجتماع وزراء الداخلية العرب في دورته الحادية والثلاثين على سبيل المثال، أكد على أهمية المعالجة الجماعية للتحديات الأمنية التي تتهدد الدول العربية. فالركون إلى المعالجات الفردية لن تكون كافية، وإن نجحت فإن نجاحها يكون محدودا ولزمن معين محدود. فمعاليه ذكر في كلمته في الاجتماع المذكور أن «المعالجة الفردية ستتأثر إلى حد كبير بالظروف المحيطة بها لكون العنف والتطرف والإرهاب من أبرز التحديات الأساسية..». هاجس الأمن، مفصل مهم في كل الأحاديث التي يتفضل بها معاليه؛ لأن أمن المجتمعات واستقرارها يقود بالضرورة إلى فتح مسارات التنمية الأخرى التي باتت تلقي بظلال متاعبها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات العربية. توافر الأمن يخلق الاستقرار لتنطلق المجتمعات وتملأ دنياها إعمارا واستثمارا، وثقة أكبر بالمستقبل. 

 مسؤولية حفظ الأمن، التي تتحملها وزارات الداخلية في البلدان العربية جسيمة بلا شك، وتحتاج إلى تأكيد العمل الجماعي المشترك لتسهيل مهمة محاربة الجريمة ومحاصرة الإرهاب. ودائما ما نلاحظ بأن معالي وزير داخلية مملكة البحرين يدعو إلى هذا العمل ويؤكد على ضرورة أن يكون أداة فاعلة لكنس الجريمة بمختلف أشكالها. فإلى جانب تأكيد معاليه على أهمية أن يكون العمل الأمني المشترك سائدا بين الدول العربية، فإنه يسلط الضوء في كلمته على ما تشهده الجريمة من تطوير في أساليبها مستغلة من التقنيات الحديثة ما لا يخطر على البال ومبتكرة طرائق جهنمية وأفانين مراوغة شيطانية للابتعاد عن أعين رجال الأمن في مختلف المواقع، وهو الأمر الذي ينبغي أن تواكبه إجراءات أمنية مستحدثة تعتمد التكنولوجيا الحديثة وآليات عمل إدارية مرنة لدى السلطات الأمنية في البلدان العربية؛ إذ أظهر أساطين العصابات وزعماء المافيات وغلاة المتطرفين من الإرهابيين ومهربي المخدرات والمتاجرين بالبشر وغسيل الأموال.. وغيرها، ممن أصبحت لديهم الجريمة سلعة يتاجرون بها تصديرا واستيرادا ونشاطا ربحيا لا يخلو في غالب الأحيان من توجيه سياسي يجعل أمن المجتمعات على المحك. ولهذا فإن المنهجية الأمنية العصرية هي التي ينبغي أن تتبعها الدول العربية لتخطي العقبات والحواجز السياسية «كما قال معالي الوزير. 

 معالي وزير الداخلية لم يكتف بتقديم هذه القراءة الاستراتيجية الذكية لواقع الجريمة ووجوه الحاجة إلى تطوير العمل الأمني العربي المشترك، بل طرح حلولا عملية تكافح الجريمة وتقتلعها من جذورها من ذلك مثلا حرصه على أن يطلع وزراء الداخلية العرب في المجلس على تفاصيل تجربة مملكة البحرين في العقوبات البديلة تكريسا للمنحى الإنساني في مكافحة الجريمة، وهو مثال ينبغي أن تتبناه الدول العربية وتفعله لتعزيز حقوق الإنسان وتفعيل مقاربة حقوقية ذكية مع من زلت بهم القدم وسقطوا فريسة في حبائل زعماء العصابات والجريمة الذين يزينون كل فعل قبيح، وأنزلت بهم العقوبة التي يستحقونها. فقانون العقوبات البديلة يأتي ليفتح أفقا جديدا للمحكوم عليه لكي يعود مواطنا فاعلا في مجتمعه وفردا يلتئم به شمل الأسرة. فتبادل الخبرات والتجارب يعود خيرا على أمن البلدان العربية. والبحرين في ما يتعلق بحقوق الإنسان قد قطعت شوطا طويلا نعتقد أنه يؤهلها أن تكون مرجعا في محيطها العربي.

 يبقى أن نقول إن مجلس وزراء الداخلية العرب بوصفه مجلسا» يهدف إلى تنسيق الجهود بين الدول العربية في مجال الأمن لداخلي ومكافحة الجريمة..»، فهو أيضا يعمل على تجميع التجارب والخبرات لدى كل دولة ليستفاد منها بشكل جماعي. ولا يخفى أن تبادل المعلومات الأمنية يحمي المجتمعات مما يخطط لها من وراء الحدود البرية والبحرية. ولهذا ينبغي الأخذ بمخرجات اللقاءات التي يعقدها، وتنفيذ توصياته الصادرة عنه؛ لأن الأمن في البلدان العربية هو الغاية، وهو الوسيلة أيضا، لجعل المجتمعات مستقرة. وبدون الأمن لا تقوم قائمة لأي برامج تنموية في أي قطاع من قطاعات الدولة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد