: آخر تحديث

«الشاهد» ما شافش حاجة في تونس!

118
116
131

 سليم نصار 

قبل أن تنجح أحزاب المعارضة التونسية في توظيف مسيرات الغضب لإسقاط حكومة يوسف الشاهد، سارع الرئيس الباجي قائد السبسي إلى امتصاص احتجاجها عبر تبني مطالبها الاقتصادية والاجتماعية.

وفي كلمة التهدئة، وعد الرئيس بأن تكون 2018 هي سنة الاهتمام بالشباب الذي قاد الثورة في العاصمة والمناطق الفقيرة. وكان بهذا التذكير يريد الاعتراف بأهمية الدور الذي حققه شبان تونس تعاطفاً مع محمد البوعزيزي، وهو البائع المتجول الذي صبّ البنزين على ثيابه وأحرق نفسه احتجاجاً على مصادرة عربة بيع الخضار.

ولوحظ في مختلف المناسبات أن الرئيس السبسي ورئيس حكومته «الشاهد» كانا يحرصان على جمع أكبر نسبة من الشبان حولهما بغرض إظهار اهتمامهما بهذه الشريحة من المجتمع. وعليه، يتردد في الأوساط السياسية أن اختيار يوسف الشاهد لهذا المنصب كان مرتكزاً على عاملين أساسيين: الأول صغر سنه (41 سنة) بحيث يستقطب إلى جانبه شبان الثورة والطبقة المعنية بإنعاش الديموقراطية وتحقيق أكبر قدر من مشروع المصالحة الوطنية. والثاني اعتماده على الخلفية السياسية التي بلغتها جدته راضية حداد، أول امرأة تونسية تدخل مجلس النواب. وهذا ما شجعه على الإعلان، قبل اختياره لرئاسة «حكومة الوحدة الوطنية»، بأنه سيعطي المرأة والشباب حصة مرضية في التشكيلة الوزارية.

ويرى مراقبون في تونس أن الرئيس الباجي قائد السبسي لعب دوراً مهماً في امتصاص أثر الاحتجاجات الشعبية التي انفجرت في ذكرى ثورة كانون الثاني (يناير) 2011. ففي الكلمة التي ألقاها في «حي التضامن»، شدد على ضرورة تفهم حالة الاستياء التي يمر بها العاطلون من العمل. وهم يمثلون ما نسبته أكثر من 16 في المئة من عدد السكان. ولكي يضمن حياد الأحزاب المعارضة، قال الرئيس إنه يقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، من دون أن يتجاهل دور الحكومة التي طالبها باحترام مقتضيات «وثيقة قرطاج.»

ورأى أن من المفيد مشاركة مختلف الأحزاب والمنظمات بهدف الخروج من الوضع المتردي. وقد تعهد في الوقت ذاته بمحاسبة حكومة يوسف الشاهد إن هي تباطأت في استكمال بناء بقية المؤسسات الدستورية، وأهمها «المحكمة الدستورية».

ومع أن المتظاهرين خضعوا لتدابير أمنية مشددة وعمليات تفتيش أثناء توافدهم إلى شارع الحبيب بورقيبة، إلا أن ذلك لم يمنع «حزب التحرير الإسلامي» المحظور من الظهور في الشارع حيث رفع أنصاره رايات سوداء، وطالبوا بإحياء الخلافة. كذلك دعا الناطق باسم الجبهة الشعبية اليسارية حمة الهامي إلى إلغاء قانون المالية الذي وصفه بأنه «يدمر القدرة الشرائية لغالبية التونسيين، ويخدم مصالح اللصوص والفاسدين».

من جهة أخرى، يعترف زعماء الأحزاب الموالية والمعارضة بأن الفضل في إجهاض الأزمة بالسرعة المتوخاة يعود إلى الرئيس محمد الباجي حسونة قائد السبسي. وقد وصفته الصحف الفرنسية بالإطفائي الذي أغرق الشارع بالمياه قبل أن تمتد النيران وتنتشر ويتعذر إخمادها، بينما تحدثت عنه الصحف اليابانية بأنه يتقن فن «الجيدو» السياسي. والمراد من هذا التشبيه مقارنة ما فعله السبسي مع لاعب «الجيدو» الذي يستخدم قوة خصمه من أجل الانتصار عليه. وهذا ما فعله الرئيس الذي رفض مبدأ المواجهة مع «حزب التحرير» و «الجبهة الشعبية» والإسلاميين والتكفيريين.

والسبسي الذي درس في باريس سنة 1949، حيث تخصص في مهنة المحاماة، التقى الحبيب بورقيبة سنة 1950، ثم عاد إلى البلاد بعد إنهاء دراسته الجامعية. بعد رجوعه إلى تونس، انضم إلى مكتب المحامي الشهير فتحي زهير، ثم انطلق يترافع عن حقوق «الاتحاد العام التونسي للشغل». وهو يعتبر أكبر منظمة عمالية في تونس. وقد انخرط في مطلع عمله بـ «الحزب الدستوري الجديد»، ثم انتقل بعد الاستقلال ليقوم بمهمة مستشار لدى الزعيم الحبيب بورقيبة. ومن سنة 1963 لغاية سنة 1980 تولى السبسي مسؤوليات رسمية مختلفة بينها: وزير داخلية ووزير دفاع وسفير في باريس ووزير معتمد لدى رئيس الحكومة محمد المزالي، ثم وزير خارجية. لمع اسمه بين الفلسطينيين والشعوب العربية عندما استخدم وظيفته كوزير للخارجية من أجل الحصول على إدانة مجلس الأمن للغارة الجوية الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط (15 أيلول- سبتمبر- 1986). انتُخِب في مجلس النواب سنة 1989 ثم تولى رئاسة المجلس بعد سنتين. وعقب تلك الفترة لخّص تجربته مع بورقيبة في كتاب عنوانه: «الحبيب بورقيبة، البذرة الصالحة». وبعد استقالة محمد الغنوشي من رئاسة الحكومة، عيّنه الرئيس المؤقت فؤاد المبزع خلفاً للغنوشي. ومنذ ذلك الحين، وهو يصعد على سلم السلطة.

وربما تكون مسيرات الأسبوع الماضي تمثل آخر مواجهة مع النظام قبل أن ينفجر الوضع مرة ثانية بهدف إسقاط النظام. وهذا ما تبرز دلالاته في أسلوب السخرية والتهكم الذي استعمله المتظاهرون في نداءاتهم، مثل: يزّي تعبنا (أي يكفينا تعبنا) وفاش تستنو (أي ماذا تنتظرون) و «الشاهد» ما شافش حاجة!

واللافت أن المحتجين على أداء حكومة الوحدة الوطنية قد استخدموا عنوان المسرحية الفكاهية المصرية «الشاهد» ما شافش حاجة، للإعراب عن سخريتهم من وعود رئيس الوزراء يوسف الشاهد. والهتاف منقول عن عنوان مسرحية عُرِضت في القاهرة عام 1976، وقام بأدوار البطولة فيها كل من عادل إمام وعمر الحريري وناهد جبر.

ومن المؤكد أن يوسف الشاهد لم يستسغ هذه المقارنة، بدليل أنه حمّل «الجبهة الشعبية» المعارضة مسؤولية تدهور الوضع الأمني. وكانت الجبهة اليسارية المؤلفة من عشرة أحزاب قد نظمت مسيرات احتجاج في وسط العاصمة، تحت شعار «تونس تستعيد ثورتها»، وذلك احتجاجاً على قرارات الحكومة الرامية إلى فرض ضرائب جديدة، ورفع الأسعار ضمن موازنة 2018. كل هذا بغرض خفض العجز في الميزانية وإرضاء المقرضين الدوليين الذين يضغطون على السلطات من أجل تنفيذ إصلاحات اقتصادية مرضية.

السياسيون التونسيون منقسمون حول تقويمهم للأسباب التي أوصلت البلاد إلى هذا المأزق الاقتصادي المتعثر. ذلك أن الأحزاب المعارضة تضع المسؤولية على الحكومة لأنها فشلت في عمليات استمالة الاستثمارات الخارجية التي تؤدي إلى تحسين الأوضاع، مثلما هي الحال في المغرب.

وعلى هذه المزاعم ترد الحكومة بأن الإرهاب الذي تسكت عنه أحزاب المعارضة، هو الذي منع الاستثمارات الخارجية من المراهنة على أمن تونس واستقرارها. ولقد ذكّرت بالعمليات الإرهابية التي بدأها انتحاري فجّر نفسه في مدينة سوسة. ثم تكررت بطريقة مروعة في 18 آذار (مارس) 2015، عندما اقتحم ثلاثة إرهابيين «متحف باردو» في العاصمة وقتلوا 22 شخصاً بينهم 20 أجنبياً. وبعد فترة قصيرة، أي في 26 حزيران (يوينو) 2015، هاجم إرهابي سياح «فندق مرحبا» على شاطئ مدينة سوسة، وأردى 38 شخصاً بينهم 30 بريطانياً.

لكن المعارضة لم تسلّم بهذا السبب، وردت بلسان أحد زعمائها بأن البطالة المستشرية في تونس دفعت أكثر من أربعة آلاف شاب للانضمام إلى «داعش» و «القاعدة». والثابت أن الحدود المسيبة مع ليبيا والتي يزيد طولها على خمسمئة كيلومتر، سهلت للعاطلين من العمل طرق الهرب إلى جمهورية الخلافة الإسلامية في العراق وسورية.

وتقارير البنك الدولي تشير إلى احتمال حدوث سلسلة هزات اقتصادية بدأت أعراضها تظهر في اليونان والسودان والأردن. ففي أثينا تظاهر عدد كبير من المواطنين احتجاجاً على سياسة التقشف التي انتهجتها الحكومة منذ وقت طويل. وفي مدينة «أم درمان» السودانية استخدمت الشرطة قنابل مسيلة للدموع وهراوات لتفريق متظاهرين احتجوا على غلاء الأسعار. ومن المتوقع أن تستمر الاضطرابات لتشمل العاصمة ومدناً أخرى. وفي الأردن فاجأت حكومة هاني الملقي المواطنين بزيادة الضرائب وأسعار الحاجات الضرورية، ومضاعفة رسوم تسجيل السيارات والمشروبات الغازية وأسعار السجائر وكل ما يستهلكه الغني والفقير معاً.

لهذه الأسباب وسواها تشير تقارير البنك الدولي إلى عدة توقعات تتعلق بالوضع الاقتصادي في بلدان أرهقها التقشف والفقر وغلاء الأسعار، الأمر الذي يجعلها عرضة للتطوير أو التغيير!

 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد