جو نوسير
ليس السبب فيما أقوله للمتحمسين للبيتكوين، هو أنني لم أستفد بالارتفاع الكبير في سعرها (على الرغم من أن ذلك قد حدث بالفعل)، وليس لأنني أخشى أن تنتهي فقاعة البيتكوين نهاية سيئة (على الرغم من أنها ستنهي كذلك، وإن كان ذلك ليس مشكلتي)، وإنما لأنني كنت قد انتظرت لعقود أن يأتي شخص ما ويخترع عملة رقمية صرفة، أي عملة للمشتريات عبر الإنترنت غير مرتبطة ببطاقات الائتمان، كنت أنتظر ما اعتدنا أن نطلق عليه «التطبيق القاتل»، الذي لم يسبق أن تخيله أحد.
وهكذا فإنه عندما ظهرت «البيتكوين» أول مرة، راودني الأمل أن تكون هي العملة المنشودة، مثل تلك التي وصفها«ساتوشي ناكاموتو» مخترع العملات المشفرة الغامض، وربما الملفق بأنها«عملة تعتمد على التعامل نداً لند، ولا يوجد بها طرف ثالث موثوق به».
هذا ما ظنه جميع المتحمسين للبيتكوين في البداية. فهي كانت عملة تسمح للمستهلكين بشراء الأشياء، مع تجنب النظام المصرفي والحكومات الوطنية في الوقت ذاته. ولكن ما أظهرته فقاعة البيتكوين مع ذلك هي أنها عملة إلكترونية فاشلة أخرى. هل يبدو أنني أستبق الأحداث؟
عموماً دعونا نلقي نظرة على الأمر من بدايته. بدأت في التفكير في العملات الإلكترونية لأول مرة في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي، عندما قابلت خبير شفرات وعالم رياضيات عبقري يدعي«ديفيد تشاوم». كان «تشاوم» قد اخترع في ذلك الوقت ما يعرف بالنقود الإلكترونية E- cash وهي نقود كانت تقوم في ذلك الوقت، بما تزعم البيتكوين أنها تقوم به الآن وهو: السماح للناس باستخدام نقود افتراضية، مخزنة على حواسيبهم، لأغراض الشراء، أو لإرسالها إلى أناس آخرين.
كان «تشاوم» سابقاً لعصره بكثير. وقام في ذلك الوقت بتأسيس شركته الخاصة DigiCash، وذلك قبل تأسيس شركة Netscape التي عممت البراوزر أو «أمازون»، وبحلول عام 1998، كانت هذه الشركة قد أفلست. وما تلا ذلك كان العصر الذي عرف بعصر:«المعلومات تريد أن تكون حرة». وعندما رسخت التجارة الإلكترونية أقدامها، كانت الوسيلة الوحيدة للدفع هي بطاقات الائتمان، التي كانت آلية استخدامها تعرضها للقرصنة.
كان يمكن للنقود الإلكترونية أن تنقذ الموقف. بحلول عام 2000 كتبت مقالة في مجلة«موني» استوحيت فيها مقولة وردت على لسان مدير تنفيذية لبنك إنترنتي يقول فيها«لقد وصلنا إلى نقطة بات فيها اقتصاد الإنترنت يحتاج إلى نقد إلكتروني»، ولكن كافة الجهود الرامية إلى الوصول إلى عملة إلكترونية كان نصيبها الإخفاق. أتذكر في هذا السياق عملة كان يطلق عليه Qpass، وأخرى تدعى WebPay. في عام 2000، برز ما يعرف بالذهب الإلكتروني E-gold كحل محتمل، إلى أن تبين للسلطات أنه يستخدم في الأساس بوساطة المجرمين.
وفقا لموقع99bitcoins.com فإن هناك في الوقت الراهن 89 شركة تزعم أنها على استعداد لقبول البيتكوين كعملة، ولكنني لا أستطيع أن أتخيل مع ذلك أن أحداً يقوم باستخدامها بالفعل، لدفع قيمة شيئاً ما يشتريه. فمن سيلجأ إلى استخدام البيتكوين لشراء أشياء في حين أنها عملة يمكن أن ترتفع قيمتها بمقدار 500 دولار في العشر دقائق التالية، ويمكن أن تنخفض بمقدار 500 دولار في العشر دقائق التي تليها.
مهما كانت النية الأصلية لمخترعيها، فإن عملة البيتكوين تحولت إلى أصل كل الغرض منه هو المضاربة. فكما يقول «بيتر جاي كايت» مؤسس نظام«تشك فري» للتحويل الإلكتروني للأموال عام 1981:«ليست هناك، ببساطة، طريقة للتنبؤ بالقيمة التي ستكون عليها، وهو ما يمثل عيبها القاتل كعملة إلكترونية». دعونا نقول إن ذلك مجرد عيب واحد من ضمن عدد من العيوب. فهناك عيب آخر وهو في الوقت ذاته أكثر شيء يحبه المعجبون بها وهو أنها تعمل بشكل مستقل عن الأوامر والتعليمات الحكومية، وهو ما كان«كايت» يسميه:«طغيان الذكاء» ويصف ما يقصده بقوله:«عندما تعمل في مؤسسة مثل Fintech فإنك كثيراً ما ترى عبقرياً هندسياً يخرج عن التوافق الزمني مع ما يحدث في العالم الواقعي»
وعن حالة بيتكوين كتب كايت يقول:«هناك ذلك الشيء الذي يطلق عليه’ الاحتياطي الفيدرالي‘ الذي تعد وظيفته الأساسية هي حماية النظام المصرفي للولايات المتحدة. ولكي تنجح أي عمله مشفرة يجب أن تعمل بالتوافق مع الاحتياطي الفيدرالي، وتحدد كيف ستعمل من دون أن يؤدي عملها لتقويض النظام المصرفي». أستطيع أن أتخيل أن البيتكوين حتى إذا ما انفجرت فقاعتها ستستمر في التداول. ربما يكون هناك عدد قليل من العملات المشفرة الأخرى من سيكون له نفس المسار(وإن كنت أعتقد أنها معظمها سيذوب ويتحول إلى هباء). في أحسن الأحوال قد يصل الأمر بالبيتكوين إلى أن توصف بأنها المعادل الرقمي للذهب.ليس هناك ما يعيب في ذلك. ولكن سيتعين علينا أن ننتظر لبعض الوقت حتى تتمكن البيتكوين، أو أي عملة رقمية أخرى، من تحقيق النجاح.
*مدير التحرير السابق لمجلة «فورتشن»
«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»