خليل علي حيدر
لماذا ترتفع نسبة المغاربة والتوانسة والجزائريين بين الجماعات الجهادية وتنظيمات العنف التكفيرية، رغم أنهم ليسوا أسوأ المسلمين حالاً في بلاد الغرب؟!
يلاحظ أستاذ التاريخ السياسي في الجامعة التونسية الدكتور عبداللطيف الحناشي، أنه رغم ما يتمتع به المهاجرون من بلدان المغرب الكبير في أوروبا من وضع معيشي مُرضٍ ولائق في كثير من الأحيان، مقارنة بمواطنيهم المستقرين في بلدانهم الأصلية، فإنهم «لا يترددون في الانتقال للقتال في بؤر التطرف». كما يسجل أن أغلب أنصار التيار السلفي الجهادي التكفيري في العالم يتوق إلى حمل لقب «مهاجر»، نظراً إلى وقع الهجرة في المخيال الإسلامي، وهو ما يعني أنه بات من المجاهدين! وقد ينطبق الأمر أكثر على الذين يعيشون خارج «أرض الإسلام»، ومنهم المهاجرون من دول المغرب العربي إلى أوروبا. ومعلوم أن مفهوم «الجهاد الإسلامي» قد تبلور ببعده الكوني بعد احتلال السوفييت لأفغانستان، بدعم من الولايات المتحدة وبعض الدول العربية التي «سهّلت» للشباب التوجه إلى أفغانستان لمؤازرة قتال السوفييت. وكان من هؤلاء مئات المسلمين العرب الحاملين لجنسيات أوروبية. ويُعد القيادي الإخواني الأردني عبدالله عزام، يقول د. الحناشي، «الأب المؤسس للحركة الجهادية الحديثة»، قبل أن يلقى حتفه عام 1988، وبذلك انتقلت إدارة «مكتب الخدمات» الذي كان يشرف عليه إلى «أسامة بن لادن». وكان عزام يصدر مجلة «الجهاد»، وبعد وفاته قامت الشبكة الإلكترونية المسماة باسمه بتطوير أفكار جهادية أكثر تطرفاً!
ما حجم المقاتلين الأجانب في صفوف المنظمات المقاتلة في العراق وسوريا؟ المعطيات متضاربة ومتناقضة، تقول بعضها إن العدد 12 ألف مقاتل من 81 دولة، وتؤكد تقارير أخرى أن العدد يصل إلى 15 ألفاً، فيما يؤكد تقرير أميركي أن عدد المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا في سوريا ضد الجيش اقترب من ربع المليون، قتل منهم 58 ألفاً وغادر منهم 82 ألفاً.
وتعود علاقة المغاربيين المهاجرين بالمنظمات السلفية التكفيرية، كـ«القاعدة»، إلى سنة 1996، كما يؤكد الحناشي، وفق رسالة تأييد لـ«ابن لادن» وتنظيم «القاعدة»، مُرسلة من بلجيكا.
ويعد التونسيان «عبدالستار دحمان» و«بوراوي رشيد العوير» من أوائل المهاجرين المغاربة المقيمين في أوروبا، وقد قاما باغتيال القائد العسكري الأفغاني «أحمد شاه مسعود» بكاميرا مفخخة، لمصلحة «القاعدة»، قبل يومين من أحداث 11 سبتمبر 2001.
ويقدر معظم مراكز الأبحاث عدد المغاربة في جبهات القتال في سوريا بنحو أربعة آلاف من داخل المغرب العربي وخارجه، التحقوا بجبهة «النصرة» التي يقودها الجولاني، ثم بعد الإعلان عن تأسيس «دولة الإسلام في العراق والشام»، انضموا إلى «داعش» بداية من أبريل 2013.
ويمكن التمييز بين ثلاثة أصناف من المقاتلين المغاربة في سوريا؛ الصنف الأول هم الشباب المتحمسون من غير الجهاديين ممن لا يحملون بالضرورة الأيديولوجيا الجهادية. والصنف الثاني بعض المعتقلين السابقين الذين لم يمارسوا العنف لكن تجذّر الفكر الجهادي لدى العديد منهم أثناء فترة السجن. أما الصنف الثالث فأفراد مؤمنون بالعنف المسلح ليس في بؤر التوتر فحسب، بل في مجتمعاتهم كذلك.
واجتذبت هذه التنظيمات المرأة إلى صفوفها، ويُقال إن السلطات الفرنسية كشفت عن وجود مئة فتاة وامرأة يحملن الجنسية الفرنسية ويقاتلن في صفوف «داعش» ربعهن من أصول مغاربية.
ويلاحظ الباحث ظاهرة «الإخوة الإرهابيين»، أي أن يكون المهاجمون أشقاء أو أخوة، أو أن يظهر أحدهما ثم يظهر الثاني لاحقاً.
ومن أهم ملاحظات الدارسين للمغاربيين أن «المتطرفين الشباب لا يتحدثون بتاتاً حول الحرب الجزائرية، حتى وإن كان جدهم أصله من الجزائر، وفي العادة لا يعرفون أي شيء قط حول ذلك». ويعتقد هؤلاء الباحثين أن «لا علاقة للسياسة الخارجية الأوروبية الراهنة، ولا للجرائم الاستعمارية، بالتطرف الإسلامي».
وهذا ينفي مزاعم القائلين بأن الرغبة في الانتقام من الدور الاستعماري للغرب في شمال أفريقيا دافع أساسي للمغاربيين الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية. فالشباب الشمال أفريقيين الجهاديون لا يكترثون بالأوطان ومفاهيم الولاء والانتماء السياسي. ويلاحظ باحثون «أن الجيل الثاني من المهاجرين المغاربة لا يشعر بالانتماء إلى الوطن الأم، بخلاف الجيل الأول، حيث يستبدلونه بالهوية الدينية، أي الانتماء إلى (الدولة الإسلامية)! وهم يتبنون نشاطاً دينياً ملحوظاً يتفوق على الجيل القديم. فالشباب يعتزون بالانتماء للإسلام والمجتمع الإسلامي العالمي».
وبهذا يتصورون أن «الوحدة الإسلامية» أو «دولة الخلافة» هي وطنهم الحقيقي، وأنها أولى بالاهتمام والتضحية!