: آخر تحديث
أزمة السد تعود إلى الواجهة... ومجلس الأمن بين النداء والتردد

مصر ترفض شرعية "النهضة"... وتلوّح بخيارات لا تستثني أحداً

1
1
1

إيلاف من القاهرة: في خطاب رسمي إلى مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، أعلنت مصر أنها "لن تغض الطرف عن مصالحها الوجودية في نهر النيل"، مشيرة إلى أن تصرفات إثيوبيا الأخيرة تمثل تصعيدًا أحاديًا يخالف قواعد القانون الدولي، ويضع مصير مياه النهر في مرمى الإرادات المنفردة. الرسالة جاءت في توقيت رمزي، تزامنًا مع افتتاح الحكومة الإثيوبية رسميًا لـ"سد النهضة" بحضور عدد من قادة الدول الأفريقية.

الخطوة، كما قرأها مراقبون، تقلّص فرص الحوار الثلاثي بين إثيوبيا ومصر والسودان، وتفتح الباب لخيارات أكثر تصعيدًا، بعدما بدا أن الجانب الإثيوبي يسعى إلى فرض أمر واقع هندسي وسياسي، تحت غطاء احتفال رسمي يوحي بالنهاية... فيما تراها القاهرة مجرد بداية.

افتتاح السد جرى الثلاثاء على يد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي وصف المشروع بأنه "مصدر إلهام"، معتبرًا اكتماله انتصارًا تاريخيًا. ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن الحكومة قولها: "نحن الإثيوبيين شعب متمسك بالإنسانية والأخلاق، ولا نستخدم النهر لإيذاء الآخرين"، مضيفة: "أديس أبابا انتصرت في وجه من هددوها دون مراعاة القوانين الدولية".

لكن القاهرة، في أول رد رسمي، قللت من قيمة هذا "الانتصار"، معتبرة أنه يفتقر إلى الشرعية القانونية. وقالت وزارة الخارجية المصرية إن السد "يظل إجراءً أحادياً مخالفاً للقانون والأعراف الدولية"، رافضة أي "غطاء زائف من القبول" له. وأكد البيان أن افتتاح السد لا يُنتج عنه تبعات قانونية، ولا يغيّر من الوضع الحاكم لحوض النيل الشرقي.

بيان الخارجية المصرية وصف التصرفات الإثيوبية بأنها "خرق جديد" يُضاف إلى سلسلة من الانتهاكات، بما في ذلك تجاوز البيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر (أيلول) 2021، والذي دعا الدول الثلاث إلى استئناف المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق ملزم حول ملء وتشغيل السد.

من جانبها، شددت مصر في خطابها أمام مجلس الأمن على أنها مارست أقصى درجات ضبط النفس خلال السنوات الماضية، مؤكدة أنها اختارت المسار الدبلوماسي من منطلق إيمانها بالتعاون المشترك، لا ضعفًا في الدفاع عن مصالحها الوجودية.

ورغم هذه اللغة المتزنة، لم يُخفِ الخطاب المصري تحذيره الضمني، إذ قال إن القاهرة تحتفظ "بحقها في اتخاذ جميع التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن مصالح شعبها".

ومن خلف هذا التصعيد الرسمي، برزت أيضًا مواقف مصرية أكثر حدة على لسان دبلوماسيين وبرلمانيين وخبراء. فقد وصف مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد حجازي، افتتاح السد بأنه "عمل عدائي أحادي غير مسبوق"، مشيرًا في حديثه لـ"الشرق الأوسط" إلى أن مصر "لن تتهاون في الدفاع عن حقوقها التاريخية والقانونية"، ومضيفًا أن لدى القاهرة أدوات دبلوماسية "خشنة" يمكن استخدامها للضغط على الموقف الإثيوبي، سواء عبر مجلس الأمن، أو مجلس السلم والأمن الأفريقي، أو عبر تعطيل تمويل مشروعات إثيوبية مستقبلية.

في السياق ذاته، أبدى خبير المياه المصري، ضياء الدين القوصي، شكوكًا في جدية افتتاح السد، واصفًا إياه بـ"مكيدة سياسية"، وقال إن المعلومات المتاحة تشير إلى أن محطة توليد الكهرباء داخل السد لم تكتمل بعد، وأن ما جرى لا يعدو كونه إعلانًا سياسيًا أكثر من كونه خطوة فنية مكتملة.

وأشار القوصي إلى أن عدم تأثر حصة مصر من مياه النيل في السنوات الماضية مردّه إلى مواسم فيضان مرتفعة، محذرًا من أن أي موسم جفاف سيكشف التأثير الحقيقي للسد على تدفق المياه. واعتبر أن "أي قرار أحادي بشأن مجرى مائي دولي مثل النيل الأزرق لا يُعتد به"، مشددًا على أن مصر "لن تسمح بتشغيل السد وإدارته على حسابها مهما كانت الظروف".

وعلى صعيد آخر، أعاد النائب البرلماني مصطفى بكري التأكيد على أن افتتاح السد لا يلغي الاتفاقيات التاريخية، وعلى رأسها اتفاقية 1959 التي تحدد حصة مصر بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه. وقال بكري عبر منصة «إكس»: "مصر لن تفرط في أمنها المائي. المياه قضية وجود بالنسبة لنا، وعندما يتعرض وجودنا للخطر... كل الخيارات مطروحة".

وتعود جذور الأزمة إلى عام 2011، حين بدأت إثيوبيا بناء السد على النيل الأزرق، في مشروع تبلغ كلفته مليارات الدولارات. وبينما تعتبره أديس أبابا مشروعًا تنمويًا سياديًا، تراه القاهرة تهديدًا لحقوقها التاريخية في مياه النهر. وكانت المفاوضات الثلاثية قد توقفت في أبريل (نيسان) 2021 بعد تعثر طويل، وهو ما دفع مصر إلى اللجوء إلى مجلس الأمن.

وفي مارس (آذار) الماضي، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مصر والسودان إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن الدعوة لم تجد صدى يُذكر، في ظل تمسك أديس أبابا بخطاب السيادة، ومضيها في استكمال المشروع دون اتفاق نهائي.

وفي المشهد الحالي، يبدو أن السد افتُتح... لكن الصراع حوله لم يُغلق بعد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار