: آخر تحديث
قال إن الجزائر تنكرت لاتفاق حكومتها المؤقتة مع المغرب

إسماعيل العلوي يقدم شهاداته حوّل "حرب الرمال" عام 1963

7
5
6

إيلاف من الرباط: في سيرته الصادرة، أخيرا، عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط، تحت عنوان "إسماعيل العلوي نُبل السياسة – مسيرة حياة"، يعود مولاي إسماعيل العلوي، الوزير السابق والقيادي السابق في حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا)، في جانب من هذا الكتاب، إلى ما عرف في تاريخ العلاقات المغربية – الجزائرية بـ"حرب الرمال"، مستعرضا أسباب الخلاف وخلفياته، مقدما وجهة نظره بخصوص هذا النزاع الحدودي الذي عاشه وتفاعل معه، زمن وقوعه.


الملك الحسن الثاني خلال حرب الرمال

وتفجرت مواجهة مسلحة بين المغرب والجزائر، في 8 أكتوبر 1963، وسميت، في تاريخ العلاقات بين الجارين المغاربيين، بـ"حرب الرمال"، انتهت في 5 نوفمبر من نفس السنة بعد وساطة عربية وإفريقية، توجت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في 20 فبراير 1964 بالعاصمة المالية باماكو. وخلّفت هذه المواجهة توترا مزمنا وصارعا ما فتئ يتعمق بين البلدين.

تنكر جزائري
يشير العلوي، في بداية شهادته، بخصوص "حرب الرمال"، إلى أن العلاقة السياسية للمغرب بالجزائر بدأت "بداية متشنجة"، بعد استقلالها في 1962، وذلك "بعد تنكر الرئيس الجزائري أحمد بن بلة، ذي الأصول المغربية الثابتة من جهة الأبوين، للاتفاق الذي وقعه المغرب مع الحكومة المؤقتة الجزائرية بخصوص الأراضي المغربية التي احتلتها فرنسا في بداية القرن العشرين وألحقتها بالجزائر، التي كانت تظن أنها ستبقى فرنسية إلى الأبد".
يشير العلوي إلى أن المغرب لم يتوقف عن المطالبة باسترجاع هذه الأراضي، بل إنه "اتفق – مبدئيا – مع الحكومة الجزائرية المؤقتة على تصفية هذا الملف بعد استقلال الجزائر، بعدما رفض المغرب اقتراح الرئيس الفرنسي شارل دوغول "مقايضة" استرجاع جزء من هذه الأراضي بهيمنة استعمارية أخرى".
وأضاف العلوي أنه "بعد تحالف أحمد بن بلة ومحمد بوخروبة (هواري بومدين) واستيلائهما على السلطة باسم "مجموعة وجدة"، أصبح ابن بلة رئيسا للجزائر وبومدين وزيرا للدفاع، وتنكرا معا لمشروعية مطالب المغرب وانقلبا على الاتفاق، ما جعل العلاقات تتوتر بين البلدين بسرعة".


الملك الحسن الثاني وإمبراطور إثيوبيا هيلا سيلاسي والرئيس احمد بن بلة 

اعتداء جزائري
يشير العلوي إلى أن المغرب الذي نال استقلاله منذ سنوات قليلة، وجد نفسه، وقتها، "مرغما" على مواجهة الجزائر، التي كانت قد حصلت بالكاد على استقلالها، وذلك "بعد اعتداء القوات الجزائرية على قوات مغربية في مواقع مختلفة في الحدود بين البلدين". وأضاف: "ونتيجة لالتباسات وتعقيدات عديدة، نشبت الحرب بين البلدين والمعروفة بـ"حرب الرمال"، في أكتوبر 1963، وكان من تداعيات هذه الحرب في المغرب اعتقال الرفاق علي يعتةوعبد الله العياشي وعبد السلام بورقية بعد استنكارهم الحرب ومطالبتهم بالمفاوضات بين البدين الشقيقين".

وفي محاولة لفهم موقف القائدين الجزائريين بن بلة وبومدين، يضيف العلوي، يحق طرح التساؤل التالي: "أفلا يعتبر كلا الرجلين أن الموضوع يهمهما مباشرة وشخصيا وبالتالي يتحول المشكل في ذهنيهما إلى ظاهرة عاطفية خولت لهما الحق في مجابهة "المغرب الرسمي"، ما جعل من المواجهة مظهرا يشبه "الحرب الأهلية"؟".
يشير العلوي إلى أنه كان طالبا في باريس خلال اندلاع هذه الحرب، وأنهم كقطاع طلابي مواز للحزب (الحزب الشيوعي المغربي) في فرنسا، دافعوا عن رفاقهم المعتقلين وطالبوا بإطلاق سراحهم، لأن "التهم الموجهة لهم كانت واهية، لكن خطيرة، بالنظر إلى ما يمكن أن يترتب عليها".

ورثة فرنسا الاستعمارية
يرى العلوي أنه يبقى من الصعب على الإنسان أن يعود إلى تلك الفترة دون حسرة ويحدد – بالتدقيق – كيف كانت المواقف التي عبر عنها أو حتى معرفة مواقف الآخرين بدقة، لا سيما أن عددا من الحقائق ظهرت لاحقا، منها أن "حكام الجزائر سرعان ما اندمجوا لا محالة في التصور الجيو سياسي الذي كان لفرنسا الاستعمارية حينئذ، أي أنهم أصبحوا ورثة فرنسا الاستعمارية، أي أنهم أصبحوا ورثة فرنسا بكيفية مطلقة. وبالتالي أصبحوا يرفضون أي نقاش حول الحدود مع المغرب، لا سيما في الجنوب الشرقي. كما كانوا يسعون إلى الوصول إلى المحيط الأطلنتي، متناسين إن لم نقل متنكرين للاقتراحات المغربية الرامية إلى وضع أسس مادية لفكرة المغرب الكبير، وذلك بالاستغلال المشترك لبعض خيرات المنطقة وتحويلها وتصديرها إلى الأسواق الخارجية، عبر موانئ مغربية على المحيط الأطلسي. وهذا بالضبط ما نصت عليه اتفاقية الاستغلال المشترك لمناجم الحديد في منطقة "غار اجبيلات"، القريبة من تندوف، الموقعة بين البلدين في 1972، لكن الجزائر جمدت – من جانب واحد- العمل بهذه الاتفاقية، التي لا تزال مشروعيتها القانونية قائمة إلى اليوم !".
يشير العلوي إلى أن الأمور أصبحت حاليا مثبتة بالوثائق، وتحدث في هذا الصدد عن اطلاعه أخيرا على بحث أنجزه المؤرخ المغربي الجيلالي العدناني، قدم فيه وثائق مهمة، لم يسبق نشرها، تبين أنه خلال الفترة السابقة لاستقلال الجزائر كانت هناك مناورات من قبل العسكر الجزائري للانسياق خلف المخطط الدي رسمه الفرنسيون، منذ أن وضعوا أقدامهم في المنطقة نهاية القرن التاسع عشر، مستغلين الضعف العسكري والاقتصادي والسياسي ل"الإيالة الشريفة"، كما كان المغرب ينعت قبل الحماية وحتى الاستقلال، في 1956.

الجزائر الفرنسية
يشير العلوي إلى أن التوجه الفرنسي المخطط له كان يقضي بـ "منع المغرب من الاتصال بجنوبه الحقيقي، أي إفريقيا ما بعد الصحراء"، وكذلك فتح ممر من الجزائر المستعمرة إلى المحيط الأطلسي. وزاد موضحا أن فرنسا في عهد دوغول، وقبيل حصول الجزائر على استقلالها، كانت تعمل على إنشاء "المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية" التي كانت تسعى من ورائها إلى ضم الصحراء والبلدان المحيطة بها،لتكريس استمرار وجودها في المنطقة واستغلال ثرواتها من البترول والغاز، وبالأخص اليورانيوم والحديد والنحاس.
ويضيف العلوي أنه "رغم أن المشروع الفرنسي لم يتحقق، يبدو أن حكام الجزائر قد تبنوه، إذ بسطوا هيمنتهم على المنطقة، ولم تفلت من قبضتهم سوى المناطق التي ثبت وجود اليورانيوم فيها، أي في النيجر بالأساس. والجميع يعرف أن المخابرات الجزائرية موجودة في المنطقة منذ عدة سنوات و"تلعب" وسط المنظمات الإرهابية التي تتناسل في دول الساحل الإفريقي".

محمد الخامس ودوغول
يعود العلوي إلى العرض الذي تلقاه الملك محمد الخامس من دوغول، للتفاوض بشأن الحدود الجنوبية الشرقية في الفترة من 1957 إلى 1960، مشيرا إلى أن "محمد الخامس، وإلى جانبه أغلب القوى الحزبية والسياسية، رفض ذلك، وقال إن الأمر يجب أن يحل مع إخواننا الجزائريين".
لم يجد العلوي إلا أن يبدي أسفه على الحرب التي اندلعت بين المغرب والجزائر، حيث كتب: "مع الأسف، ما رأيناه في 1963 هو أن إخوة في الجنس والثقافة والذين سبق لهم أن واجهوا، جنبا لجنب، قوات الاستعمار الفرنسي، دخلوا في حرب غداة تحررهما". وهنا، يضيف العلوي، "يمكننا أن نتساءل: هل وقعا في شراك لعبة كولونيالية؟ أم هل تحكمت في الأمر ردود فعل ثانية؟ الله أعلم، لكن المؤكد أن هناك أسرارا كثيرة لم يتم نشرها حول هذه القضية، خصوصا لدى الفرنسيين".

تحليل خاطئ
تناول العلوي موقف بعض قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في المغرب، وقتها، خصوصا المهدي بنبركة وحميد برادة، الرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، من "حرب الرمال"، مشيرا إلى أنه تلخص في "تحميل المغرب مسؤولية إعلان الحرب بعد أن أدليا بتصريحات للإذاعة الجزائرية خلفت خيبة عميقة لدى المواطنين المغاربة، وكانت سببا في محاكمتهما وإدانتهما غيابيا".
بالنسبة للعلوي، فموقف بنبركة وبرادة كان "مبنيا على تحليل خاطئ"، إذ "كانا يظنان أنهما كلما أضعفا النظام المغربي فإنهما يخدمان مصالح التقدم في البلاد، وكانا يعتزان بالتحالف الإيديولوجي مع النظام الجزائري، الذي لم يكن مؤكدا أنه فعلا حليف إيديولوجي موثوق".


"حكرونا" المغاربة
يرى العلوي أن النظام الجزائري كان "متذبذبا في علاقته مع المغرب"، كما كان "رهينة تصور خاص للجزائر تطور مع نظام هواري بومدين بالأساس، بعد انقلابه على شرعية بن بلة، وهو تصور هيمنيّ"، هو الذي كان يتفاخر بأن الجزائر هي "بروسيا" شمال إفريقيا، باعتبار أن منطقة "البروس" هي التي لعبت الدور الرئيسي في الوحدة الألمانية، ولذلك فالحكام الجزائريون كانوا يستشعرون في أنفسهم الأهلية للقيام بهذه المهمة التاريخية".
وبالعودة إلى "حرب الرمال"، يضيف العلوي، فإن الخطاب الشهير لأحمد بن بلة بعد الحرب، والذي قال فيه عن المغاربة "حكًرونا" (احتقرونا)، كان خطابا فيه الكثير من الشعبوية، لأنه لم يكن هناك أي "احتقار" من المغرب للجزائر وللإخوة الجزائريين، بقدر ما كانت هناك مناوشات بين جيشين تطورت إلى أكثر من مناوشات، مع الأسف".

سوء نية جزائرية
يخلص العلوي، من شهادته بخصوص "حروب الجزائر"، إلى أنه بعد أن كشفت الاستخبارات الفرنسية الكثير من الوثائق الرسمية التي تضمنها كتاب المؤرخ الجيلالي العدناني، تبين أنه "كان هناك فعلا سوء نية لدى الحكام الجزائريين، وهو أقل ما يقال في هذه الحالة".

سيرة العلوي
تجدر الاشارة إلى أن العلوي (85 سنة)، هو يساري مغربي، انتسب عام 1962 للحزب الشيوعي المغربي، وهو أحد زعماء هذا الحزب الذي أخذ لاحقا اسم  "التقدم والاشتراكية". وبعد وفاة علي يعته سنة 1997، سينتخب العلوي أمينا عاما للحزب، وبقي في منصبه إلى 2010، حيث خلفه نبيل بن عبد الله، الأمين العام الحالي.
كما تولى العلوي عددا من مناصب المسؤولية، بينها، حقيبة وزارة التربية الوطنية (1998)، ثم حقيبة وزارة الفلاحة والتنمية القروية (2000).


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار