سافر جو بايدن ودونالد ترامب إلى الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك يوم الخميس، حيث يخوضان مبارزة سياسية هامة حول قضية يمكن أن تكون مصيرية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
لقد عَبَر تلك الحدود 2.5 مليون مهاجر غير شرعي، العام الماضي، وهو ما أدى إلى ضغطٍ على المرافق الخدمية في المدن الأمريكية الكبرى ودفعها إلى شفا الهاوية.
وتوفّر الزيارة، فرصةً لبايدن لمحاولة إقناع الناخبين بجدّيته حول موضوع الهجرة، كذلك رحلة ترامب الخاصة التي تسلّط الضوء على قضية شكّلت محورا أساسيا في مسيرته السياسية.
ومن المتوقع أن تكون الانتخابات المقرر إجراؤها في كانون الأول/ نوفمبر بمثابة "مباراة الإياب" بين بايدن وترامب، بالرغم من عدم حصول كليهما على ترشيح حزبيهما بعد.
يزور ترامب مدينة إيجل باس الحدودية في تكساس، وهي المدينة التي تحدى حاكمها الجمهوري جريج أبوت، البيت الأبيض الذي يقوده بايدن، باستخدام حرس الولاية الوطني لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين وإقامة حواجز حدودية، بما في ذلك أسوار الأسلاك الشائكة، التي يقول ناقدون إنها غير إنسانية.
وليس مفاجئا أن يروّج الرئيس السابق لهذا النوع من الإجراءات ويستشهد بها كأحد أسباب انخفاض نقاط المعابر الحدودية في تكساس مؤخراً، وارتفاعه في المقابل، في ولايتي أريزونا وكاليفورنيا، اللتين يتولاهما الحزب الديمقراطي.
قبل بضعة أيام فقط، أعلن البيت الأبيض عن زيارة بايدن إلى مدينة براونزفيل، تكساس، حيث تعدّ رحلته مؤشراً آخر على أن الديمقراطيين يرونها منطقة ضعف ملحوظة.
تم احتجاز أكثر من 6.3 مليون مهاجر أثناء عبورهم إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني خلال فترة وجود بايدن في منصبه، وهو رقم أعلى مما كان عليه في دورات أسلافه السابقين، على الرغم من أن الخبراء يعزون ارتفاع الأرقام لأسباب معقّدة، وأنَّ بعض العوامل سبقت حكومته.
يقول خايمي دومينغيز، أستاذ السياسة في جامعة نورث وسترن: "إنَّه -بايدن- بحاجة للذهاب إلى هناك، وإظهار وجهه، والاستماع إلى نبض ما يحدث"، مشيراً إلى أنَّ بايدن تعرض لانتقادات بسبب فشله في التعامل مع هذه القضية حتى الآن.
وترسم استطلاعات الرأي العام صورة قاتمة للرئيس، فوفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة "غالوب "مؤخراً، اعتبر 28 في المئة من الأميركيين أن الهجرة مصدر قلقهم الأكبر، متفوقةً على كل المواضيع الأخرى، بما في ذلك الاقتصاد والتضخم، كما أظهر استطلاع أجرته مؤسسة "هاريس" أن نسبة تأييد بايدن في هذه القضية تبلغ 35 في المئة، وهو أدنى مستوى له.
ووصف نحو 61 في المئة من الأمريكيين في استطلاع للرأي أجرته "مونماوث"، الهجرة غير الشرعية بأنها "مشكلة خطيرة للغاية"، حيث قال غالبية المشاركين لأول مرة إنهم يؤيدون اقتراح ترامب ببناء جدار حدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وتزايد انتقاد القادة في المدن الأمريكية الكبرى التي يديرها الديمقراطيون لسياسات الهجرة التي ينتهجها الرئيس، بعد وصول مئات آلاف المهاجرين إلى أماكن مثل شيكاغو ولوس أنجلوس ونيويورك إما بمفردهم أو بوسائط نقل أعدّها الجمهوريون في ولايات مثل تكساس.
يقول البروفيسور دومينغيز: "يتعين على رؤساء البلديات التقدميين التعامل مع هذه القضية، وهم يناشدون الحكومة الفيدرالية أن تفعل تجاه هذا القضيّة، هذه ليست قضية يمكن للديمقراطيين أن يختبئوا وراءها ويقولوا إن الأمر على ما يرام".
تبدو زيارة بايدن الحدودية، وهي الثانية خلال رئاسته، جزءاً من جهد متضافر لقلب الطاولة على الجمهوريين - أو على الأقل تقليل الضرر السياسي - مما يعطي فرصة لأن تؤثر مواضيع أخرى على الانتخابات، مثل الاقتصاد أو حق الاجهاض.
ووجّه معسكر بايدن انتقادات حادّة لترامب والجمهوريين في الكونغرس بسبب عرقلة تشريع إصلاح الهجرة الذي أقره مجلس الشيوخ بشقيه الديمقراطي والجمهوري، في وقت سابق من هذا الشهر، ويستشهد الديمقراطيون بتعهدات الرئيس السابق دونالد ترامب بأنه سيحرم بايدن من الفوز في قضية "الحدود"، باعتبارها حجة تدلل على عدم جدية الجمهوريين بحلها.
يقول دوغلاس ريفلين، كبير مديري الاتصالات في مجموعة "صوت أميركا" المؤيدة للهجرة: "لقد كشف الديمقراطيون ادعاءات الجمهوريين الذين قالوا طوال 30 عاماً إننا بحاجة إلى أمن الحدود.. فاستراتيجية الجمهوريين السياسية تقوم على شيطنة المهاجرين.. ولذلك تراهم يبتعدون عن حل مثل هذه القضايا لأنّهم غير مهتمين بذلك".
ويشير ريفلين إلى أن الجمهوريين حاولوا الاستفادة من مخاوف الهجرة في الانتخابات الوطنية الأخيرة، بما في ذلك 2018 و2020 و2022، ولكن النجاح كان محدودا.
وقد يكون الشق الآخر لمحور البيت الأبيض بشأن الهجرة هو الإجراءات الحدودية وسياسات اللجوء الأكثر صرامة التي ألمحت الإدارة إلى أن الرئيس قد يعلنها في الأيام المقبلة، وستكون مثل هذه الخطوات بمثابة محاولة لتخفيف الانتقادات بأن الإدارة لم تفعل ما يكفي على مدى السنوات الثلاث الماضية لمعالجة ما وصفه بايدن نفسه مؤخراً بـ "الأزمة".
لكن هذا قد يخاطر بالمجموعات المؤيدة للهجرة في القاعدة الانتخابية لبايدن، الأمر الذي قد يؤزم ائتلافه الانتخابي المتوتر أصلاً بسبب دعم الرئيس لحرب إسرائيل في غزة.
يقول ريفلين: "إذا كنا نتحدث فقط عن الحدود، واستخدمنا ذلك كخلفية لخطاب الرئيس، وإذا كان يتبنى فقط نقاط حديث ترامب، فلن يكون ذلك في صالح بايدن، فمن المحتمل أن يثير غضب الناس في قاعدته دون أن يقنعهم بأنه متشدد مثل أي جمهوري تجاه مسألة الحدود".
وفي الوقت نفسه، يضغط ترامب والجمهوريون في هذه القضية وينتقدون جهود بايدن باعتبارها قليلة ومتأخرة للغاية، ويسخرون من زيارته الحدودية باعتبارها خطوة مقلدة، ويقولون إن حزمة إصلاحات الكونغرس التي شارك فيها الحزبان والتي دعمها الديمقراطيون، لن تكون فعالة في أحسن الأحوال.
يقول إريك رورك، مدير الأبحاث في "نمبر يو إس إيه"، وهي مجموعة تدافع عن خفض مستويات الهجرة: "إن القرارات التي اتخذتها إدارة بايدن خلقت ما يحدث على الحدود في الوقت الحالي، ويتعين عليها التعامل مع عواقب ذلك".
ويقول إن إدارة أوباما واجهت طفرة مماثلة في عدد المهاجرين واستطاعت أن تُغيّر مسارها، بينما في عهد بايدن، لم نجد أحداً "يبكح تلك الجماح" حتى الآن، رغم اقتراب موعد حملة الانتخابات العامة.
ويقول: "في مرحلة ما، أدركوا أنَّ عليهم على الأقل تقديم انطباع بأنهم يغيرون مسارهم.. لكنّ قدرتهم على تقديم ذلك الانطباع، موضع تساؤل".
لدى ترامب رؤيته الخاصة المتعلقة بالهجرة ليروج لها، وهي رؤية تحمل ما تحمل من نقاط الضعف، فعندما كان رئيساً، تسببت القيود التي فرضها في وقت مبكر على الهجرة من الدول ذات الأغلبية المسلمة، في محاولة لتنفيذ ما وعد به خلال حملته الانتخابية "حظر المسلمين"، في خلق حالة من الفوضى في المطارات الأمريكية وأغرقتها بعد عدة أشهر في قضايا قانونية.
كما انتُقدت بشدة سياسة فصل الأطفال عن الآباء في الأسر المحتجزة على الحدود، والتي جرى تطبيقها عام 2018، باعتبارها سياسة قاسية، ما دفع ترامب إلى تغيير مساره، والآن يعد الرئيس السابق بأنه إذا أعيد انتخابه فإنه سيبذل جهودا أكبر لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بما في ذلك جهود إنفاذ القانون في جميع أنحاء الولايات المتحدة ومعسكرات الاحتجاز على الحدود.
يصف ريفلين هذا بالتطرف اليميني الذي يجب أن تستغله حملة بايدن وتهاجمه، ويقول: "يتحدث ترامب عن عمليات اعتقال وترحيل جماعية، هذا ما لا يريده معظم الأمريكيين، إنّهم يريدون حدودا آمنة، لكنهم يعتقدون أيضاً أن الهجرة القانونية أمر جيد".
إن زيارات تكساس هي مجرد بداية لمناظرة انتخابية عامة حول سياسة الهجرة، ولا يزال هناك وقت لتغيير الأرضية السياسية، بالرغم من أنَّ مزاج الرأي العام، يشي بأفضلية ترامب مع بداية المعركة.
يقول رورك: "هناك خطوات يجب اتخاذها، ومن شأنها أن تفعل الكثير لوقف تدفق اللاجئين في الوقت الحالي، لكن المشكلة هي أن لدينا ملايين الأشخاص الموجودين بالفعل في البلاد. ما وصلنا له اليوم تمَّ على مدار ثلاث سنوات، ولن تتمكن من حل المشكلة في الفترة المتبقية التي تسبق الانتخابات".