دمر قصف إسرائيلي مكتبة بلدية غزة العامة، ولم تسلم كتبها ومقتنياتها التاريخية من ويلات الحرب، بحسب رئيس بلدية غزة، الدكتور يحيى السراج.
وقال السراج لبي بي سي إن المكتبة المؤلفة من ثلاثة طوابق كانت "تضم عددا كبيرا من الكتب والوثائق التاريخية ومجلدات تحتوي على صحف فلسطينية قديمة".
وأضاف: "لم نستطع إنقاذ أي شيء إطلاقاً. كل المقتنيات دُمرت. حتى الآن لم نفحص التفاصيل، لأننا نحتاج إلى وقف إطلاق نار حتى نتفرغ لذلك".
وأعرب رئيس البلدية عن امتعاضه مما وصفه بتدمير "ذاكرة وحاضر وتاريخ وتراث غزة"، مشيراً إلى أنه تم كذلك تدمير "الأرشيف المركزي للمدينة التابع لبلدية غزة والذي كان يحتوي على وثائق تاريخية مهمة جداً، يتراوح عمرها ما بين 100 إلى 150 عاماً".
وكان الأرشيف المركزي لمدينة غزة يحتوي على مخططات لمباني البيوت القديمة وطلبات بناء منازل مقدمة للبلدية، مكتوبة بخط اليد.
كيف أدت الحرب المستمرة في غزة إلى تدمير كثير من مواقعها التاريخية؟
آراء أربعة فلاسفة معاصرين بشأن الحرب في غزة
"منارة حقيقية للثقافة"
ويتذكر الدكتور ناصر الصوير، مدير الإعلام والعلاقات العامة السابق في بلدية غزة، مشاركته في تأسيس المكتبة مع أول رئيس لبلدية غزة، عون الشوا، وذلك بعد إبرام اتفاق أوسلو بأربع سنوات تحت حكم أول سلطة فلسطينية وطنية "حرصت على بناء الإنسان".
يقول الصوير خلال حديثه لبي بي سي: "عندما كنت أعمل بالبلدية، قمت بتحضير الماجيستير والدكتوراه، وكانت زياراتي كثيرة للمكتبة لأغراض البحث العلمي الخاص بي. كنت دائما أعثر في المكتبة على مراجع ومصادر مهمة جداً لدراساتي".
ويضيف: "المكتبة كانت منارة حقيقية للثقافة في غزة"، معربا عن شعوره "بالأسى والحزن" لتدميرها.
ووصف الصوير الحرب الحالية في قطاع غزة بأنها حرب تهدف إلى "إزالة غزة من التاريخ، والجغرافيا السياسية".
ويتمنى مصطفى ناصر، طالب فلسطيني يدرس العلوم السياسية بمرحلة الماجيستير في معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة، ألا تكون المكتبة قد دمرت بالكامل.
ويقول لبي بي سي: "قلوبنا تنفطر على هذه القيمة العلمية في غزة التي كنا نستقي منها المعرفة من مراجعنا العلمية، ومعلومات قيمة عن التاريخ الفلسطيني".
ويتذكر قائلا: " كنت أذهب إليها أثناء فترة دراستي في الثانوية العامة والجامعة" للحصول على مراجع دراسية.
ويتابع: "كنا نذهب إليها أيضا في رحلات مدرسية، وكانت مكتبة عظيمة مليئة بالكتب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك كتب التاريخ والجغرافيا" .
ويشير إلى أنه حصل "على دورات كمبيوتر ودورات في كيفية القراءة والخطابة" داخل المكتبة.
"إعدام الكتب بدم بارد"
يتذكر المهندس عاصم النبيه، الذي يشغل حالياً منصب مديرالإعلام والعلاقات العامة ببلدية غزة، عندما دخل المكتبة لأول مرة وهو طفل صغير.
ويقول لبي بي سي: "لي ذكريات كثيرة مع المكتبة، فقد حضرت فيها دورات مع اليونيسيف عندما كنت في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمري. كما تم اختياري من المكتبة أيضا ضمن برنامج ثقافي لزيارة أوروبا عام 2004".
ويضيف أنه سيفتقد النقاشات الفكرية مع الزملاء في أروقة المكتبة.
ويشير إلى أنه شعر "بالغضب والقهر والحزن" عندما شاهد حجم الدمار الذي لحق بالمكتبة، موضحا أنه "عملياً تم إعدام الكتب وليس تدمير المكتبة".
ويتسأل: "لماذا يتم استهداف مكتبة فيها كتب وفيها قسم لقصص الأطفال، ما هو المبرر؟ ما هو العذر الذي يبرر به أي إنسان إعدام الكتب بدم بارد؟ هذا مجرد مكان يستمتع فيه القُراء والأطفال والنساء وكل الفئات بالقراءة".
وردا على طلب من بي بي سي عربي للتعليق، أرسل الجيش الإسرائيلي بياناً يقول فيه إنه "رداً على هجمات حركة حماس الوحشية، يعمل الجيش على تفكيك قدرات الحركة العسكرية والإدارية".
كما قال الجيش الإسرائيلي إنه "يتبع القانون الدولي ويتخذ التدابير المتاحة للتخفيف من الأضرار التي قد تلحق بالمدنيين".
أُسست مكتبة بلدية غزة العامة عام 1997، لكنها افُتتحت رسميا عام 1999، حسب صفحة المكتبة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وقد طال دمار الحرب كذلك مركز رشاد الشوا الثقافي، ومكتبة ديانا صباغ في قطاع غزة.
وفي أعقاب الإعلان عن تدمير مكتبة بلدية غزة العامة، شبه موقع "ليتيراري هاب" المعني بالأدب والثقافة الدمار الذي لحق بالمكتبة، بقصف القوات الصربية للمكتبة الوطنية والجامعية للبوسنة والهرسك في عام 1992.
ووصف الموقع القصف بأنه "تدمير لثقافة الشعب ولغته وتاريخه".
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إن القصف الإسرائيلي دمر نحو 200 موقع أثري منذ بداية الحرب.