لجأ الأردن لوقف توقيع اتفاق تحصل من خلاله المملكة على المياه من إسرائيل مقابل تقديم الطاقة المتجددة، كنوع من الضغط على الحكومة الإسرائيلية بسبب الحرب في غزة. ورغم أن الأردن يعدّ من بين أفقر الدول مائياً في العالم إلا أن قراره الأخير جاء متوافقاً مع مطالب شعبية بوقف أي شكل من أشكال التطبيع مع الجانب الإسرائيلي حالياً.
وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد قال لوسائل الإعلام: "كنا نناقش مع الإسرائيليين منذ فترة صفقة "الازدهار" بحيث نوفر لهم الطاقة الشمسية ويزودوننا في المقابل بالمياه. لقد توقفت المناقشات".
وأشار إلى أن "إسرائيل تقتل الأبرياء وتضع المنطقة في النار مجدداً، ونحن أمامنا رأي عام وشعب نحترمه، وكان يفترض أن توقع الاتفاقية الشهر الماضي، ولكنا لن نوقعها"، مضيفا "لا يمكن تخيّل أن وزيرا أردنيا يجلس إلى جانب وزير إسرائيلي اليوم ليوقع اتفاقية تعاون".
ويشهد الشارع الأردني منذ بدء الحرب مسيرات تتضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة وتندد باتفاق المياه المزمع مع إسرائيل، ورفع المتظاهرون شعارات من بينها: "الدم ما بصير مي، ماء العدو احتلال".
ولم تمرّ تصريحات الصفدي دون رد إسرائيلي، إذ قال رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينت "لدى إسرائيل مصادر طاقة كافية لتوليد الكهرباء، الأردن لا يملك ما يكفي من المياه لشعبه.. لقد فعلنا ذلك لمساعدة جيراننا المتعطشين للمياه. إذا كان قادة الأردن يريدون أن يعطش شعب الأردن، فهذا حقهم".
اتفاق الطاقة مقابل المياه؟
يقول خبير المياه الأردني دريد محاسنة إن مصادر المياه في الأردن تكفي مليوني نسمة بينما يعيش في الأردن نحو 11 مليوناً.
ويواجه الأردن شحاً في الموارد المائية في ظل تزايد عدد السكان وأعداد اللاجئين، إذ تقول الأمم المتحدة أن الأردن يشهد ثاني أعلى نسبة في العالم من حيث عدد اللاجئين نسبة للفرد الواحد. "ما يقارب 730 ألف لاجئ من المسجلين لدى المفوضية، معظمهم من سوريا".
في عام 2020 وقع الأردن إعلان نوايا مع الإمارات وإسرائيل في معرض إكسبو 2020 في دبي، يقضي في حال تنفيذه بحصول الأردن على 200 مليون متر مكعب سنوياً من المياه توفرها إسرائيل مقابل حصول الأخيرة على طاقة متجددة من الأردن.
ويرى محاسنة أن الهدف الرئيسي من الاتفاق بالنسبة للأردن الحصول على المياه، بينما تهدف إسرائيل للحصول على الطاقة المتجددة والوصول إلى الحد المطلوب أوروبياً في مجال هذا النوع من الطاقة.
ويوضح وزير المياه الأسبق حازم الناصر ذلك بالقول إن إسرائيل تحتاج للطاقة المتجددة التي يوفرها الاتفاق لأنها مطلوبة بموجب اتفاق باريس "بتخفيض الطاقة الأحفورية وتعويضها بطاقة متجددة".
وتبنت 197 دولة اتفاق باريس لمواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، في "مؤتمر الأطراف 21" في باريس في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015، ويهدف للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين خلال هذا القرن.
ويوضح الخبير في مجال الطاقة هاشم عقل أن الأردن "يمتاز ببيئة مثالية جداً لتوفير الطاقة الشمسية المتجددة، لأن عدد الأيام المشمسة في الأردن تبلغ نحو 314 يوماً في السنة، إضافة لدرجة الحرارة المثالية لإنتاج الطاقة الشمسية وتتراوح من 25 إلى 27 درجة مئوية".
ويرى عقل أن التحول العالمي للطاقة المتجددة واتفاقية باريس للمناخ تدفع إسرائيل لتوفير الطاقة المتجددة عبر الأردن، خاصة وأن اعتمادها على استيراد البترول لا يشكل مصدراً مأموناً.
يشار إلى أن الأردن وإسرائيل ملزمان بموجب معاهدة السلام الموقعة عام 1994 بتبادل "الاعتراف بتخصيصات عادلة لكل منهما، وذلك من مياه نهري الأردن واليرموك ومن المياه الجوفية لوادي عربة"، إضافة لإمكانية شراء الأردن خمسين مليون متر مكعب سنوياً من المياه.
مشاريع تساهم في دعم الأردن مائياً
تبلغ حاجة الأردن سنوياً من المياه نحو مليار و400 مليون متر مكعب للاستخدامات كافة، يتوفر منها نحو 950 مليون متر مكعب، بينما يبلغ العجز المائي نحو 400 مليون متر مكعب، بحسب الناطق الإعلامي باسم وزارة المياه والري عمر سلامة.
يلفت سلامة في حديثه لـ بي بي سي إلى أن الأردن "من الدول النادرة التي تزود المياه للسكان مرة واحدة في الأسبوع نتيجة نقص مصادر المياه، وبلغت حصة الفرد سنوياً بحسب أرقام العام الماضي نحو 60 متراً مكعباً سنوياً لكل الاستخدامات، في وقت يبلغ فيه خط الفقر المائي العالمي 500 متر مكعب".
يحاول الأردن التوجه لخيارات مختلفة لتوفير المياه، منها الاتفاقيات مع الدول المجاورة، مثل اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك المشتركة مع سوريا، والاتفاقية المائية في معاهدة السلام مع إسرائيل المعروفة باسم "وادي عربة".
لكن هذه الاتفاقيات قد تواجه صعوبات في التنفيذ، إذ يوضح دريد محاسنة بأن الأردن على سبيل المثال كان يحصل على 380 مليون متر مكعب في اتفاقه مع الجانب السوري من مياه اليرموك، [قبل أحداث عام 2011 في سوريا]، لكن بسبب "عدم سيطرة سوريا على الموقع والفوضى في الجنوب السوري والحفر الزائد للآبار بأكثر مما هو متفق عليه"، إضافة لآثار التغير المناخي لم يعد الأردن يحصل على هذه الكمية.
ويشير محاسنة إلى أن الاتفاق مع سوريا أدى لبناء سد الوحدة أو سد اليرموك الذي يتسع لـ 110 مليون متر مكعب من المياه، لكن لا يحصل الأردن حالياً على أكثر من 20 مليون متر مكعب من خلاله، نظراً لصعوبة تنفيذ الاتفاق في ظل الوضع الراهن.
ولم يعلق الناطق باسم وزارة المياه والري الأردنية على الوضع الحالي لاتفاق استثمار مياه نهر اليرموك.
أما معاهدة وادي عربة ويتاح من خلالها للأردن أن يشتري عبر إسرائيل كمية من المياه تصل إلى 50 مليون متر مكعب، فإن" بنيامين نتنياهو خلال ترؤسه الحكومة الماضية قبل ما يزيد عن سنتين، رفضت حكومته الموافقة على شراء الأردن لـ 8 مليون متر مكعب إلا بتدخل أميركي"، حسب محاسنة.
ويشتري الأردن حالياً 50 مليون متر مكعب من المياه عبر إسرائيل باتفاق ينفذ سنويا، كما يؤكد سلامة الناطق باسم وزارة المياه والري الأردنية.
ناقل البحرين
في عام 2015 وقع الأردن اتفاقية مع إسرائيل لتنفيذ مشروع ناقل البحر الأحمر- الميت المعروفة باسم ناقل البحرين، وبحضور ممثلين عن البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية، وتهدف لتحلية مياه البحر الأحمر والحفاظ على البحر الميت وتزويد الأردن والأراضي الفلسطينية بكميات من المياه.
وقد انتقدت تقارير صحفية إسرائيلية مشاركة إسرائيل في تنفيذ مشروع ناقل البحرين وقالت إن كلفته عالية على إسرائيل. كما قالت صحف إسرائيلية وأردنية إن الأردن تخلى عن المشروع "بسبب المماطلة الإسرائيلية".
لكن الناصر، الذي وقع الاتفاقية في حينها مع نظيره الإسرائيلي، يقول لبي بي سي نيوز عربي إن إسرائيل هي من طلبت إلغاء اتفاقية ناقل البحرين، قائلة إن "الفائدة الكبرى تذهب للأردنيين والفلسطينيين" بحسب الناصر.
وكان من المتوقع أن تتجاوز كلفة مشروع ناقل البحرين في المرحلة الأولى، مليار دولار.
ويدعو محاسنة لتنفيذ هذا المشروع دون تعاون إسرائيلي قائلا إنه "مشروع أردني، المياه تجري في أرضنا، الناقل في أرضنا في البحر الميت ومن هناك إلى عمان مثل الناقل الوطني، لكن من الممكن أن يكون هناك تعاون في المستقبل مع السعودية في التحلية على ساحل البحر الأحمر".
لكن الناصر يوضح صعوبة تنفيذ ناقل البحرين لأنه وكما يقول لا بد من موافقة إسرائيلية لأن البحر الميت وفق القانون الدولي مشترك بين الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل. ويشير إلى أن الأردن "غض الطرف عنه وبدأ بالناقل الوطني الذي يمكن اعتباره بديلاً".
وزير المياه والري الأردني السابق محمد النجار صرح بأن "مشروع ناقل البحرين، الذي يربط بين البحرين الأحمر والميت، أصبح الآن في خبر كان بسبب عدم وجود اتفاق بين أطراف المشروع".
ويؤكد سلامة أن مشروع ناقل البحرين أغلق ولم يكن هناك موافقة عليه.
الناقل الوطني
بعد وقف الأردن توقيع اتفاق الطاقة مقابل المياه، أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أهمية مشروع الناقل الوطني وأثره الإيجابي على الأمن المائي، باعتباره "مشروعا محركا لقطاعات مختلفة، داعيا القطاع الخاص إلى البدء بدعم المشروع وأخذ دوره في تنفيذه"، وفق ما نشر في بيان الديوان الملكي الهاشمي.
يقول سلامة إن مشروع الناقل الوطني هو مشروع استراتيجي لتحلية مياه البحر الأحمر في العقبة ونقلها إلى جميع محافظات المملكة.
وبحسب سلامة من المفترض أن يعمل الناقل الوطني على تحلية 300 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، والتحول للتزود المائي المستمر، بما يؤمن كميات إضافية وينعكس على مياه الشرب ايجابياً.
يشرح سلامة أن 5 ائتلافات عالمية مؤهلة لتنفيذ المشروع وتفتح فرصة تقديم العروض في الرابع من ديسمبر/كانون أول المقبل، ويتوقع تنفيذ المشروع خلال 5 سنوات.
خلال هذه المدة يعمل الأردن على توفير المياه من خلال حفر الآبار للحصول على المياه الجوفية، والتوسع في استخدام مياه الأمطار عبر بناء السدود والخزانات المنزلية، إضافة لخطة استراتيجية لخفض الفاقد المائي البالغ نسبته 48 في المئة، و مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي، إضافة لمشروع جر مياه الديسي، وفق سلامة.
ويقول إن 15 سداً رئيسياً تتسع لـ 288 مليون متر مكعب من مياه الأمطار، إضافة لنحو 410 من السدود الصحراوية تتسع لنحو 120 مليون متر مكعب. لكن السدود عادة "لا تمتلىء بسعتها الكاملة" كما يوضح.
ويرى محاسنة أن مشروع الناقل الوطني "واحد من الحلول المفيدة للأردن"، وأن كمية المياه التي يوفرها تزيد على الكمية المتوقعة من الاتفاقية الموقوفة "الطاقة مقابل المياه"، لكن تظل هناك "حاجة متزايدة للمياه مع تزايد السكان، لذا من الضروري البحث عن مصادر أخرى بالجوف مثلاً عبر الحفر العميق".