لدى الصين استراتيجية وطنية هدفها الوصول إلى تحديثات كبرى وتحقيق فكرة التجديد الكبير للأمة الصينية حيث يتم التخطيط بأن يكتمل هذا الهدف بحلول عام 2049م، وبذلك فإن الاستراتيجية الصينية تسعي وبشكل حازم إلى تحقيق السياسة والحداثة الاجتماعية التي تشمل جهود بعيدة المدى لتوسيع القوة الصينية بما في ذلك تنقيح النظام الدولي، وهذا محور الاختلاف بالفهم بين أمريكا والصين، فلا زالت الصيغة المبدئية للنظام الدولي تتشكل، ولكن قبل ذلك هناك إصرار صيني لتصبح جمهورية الصين الشعبية "قوية ومحدثة وموحدة وأمة غنية".
في الحديث عن الخليج العربي والدول المطلة عليه فإن الصين اليوم أكبر مستورد للنفط في العالم ويتركز اعتمادها بدرجة كبيرة على النفط القادم من دول الخليج العربي ففي الربع الأول من عام 2022م على سبيل المثال كان النفط الخليجي يشكل أكثر من خمسين بالمئة من الواردات الصينية، وقبل ذلك بعام استوردت الصين البترول من بلدان الخليج العربي بما قيمته مئة وثمانية وعشرون مليار دولار، وهذا يعادل ثلاثة أضعاف الكمية التي استوردتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن المؤكد أن هذا الرقم لكميات استيراد البترول والعلاقات الثانية مع المنطقة الخليجية سوف يتضاعف مع السنوات القادمة، وهو ما يمنح الصين أحقية العمل كمروج دولي سياسي باحث عن استقرار دول الخليج العربي.
على الجانب الآخر تقف أمريكا المتواجدة في المنطقة منذ منتصف القرن الماضي وفق أهداف لم تتعرض لتغيرات جذرية وفق مصالح دول المنطقة أو تحولاتها، ويبدو بوضوح أن أمريكا تحاول جاهدة أن تمارس عملية تحديث كبرى لمبررات تواجدها في المنطقة بعد أن تراجعت بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، فالخليج العربي يعتبر فرصة للصين وخاصة في تنافسها الجيوستراتيجي مع أمريكا، فالصين تبنى علاقات قوية مع الدول الخليجية بشكل متنام ومرتبط بالمصالح الصينية.
الأسباب التقليدية للتواجد الأميركي في الخليج ومضيق هرمز تتركز في محاور مختلفة، أختار منها مثلاً: تفعيل الردع الأميركي على بحر الخليج العربي، والمراقبة المستمرة لمنطقة الخليج ومحاولة العلم بكل كما يحدث في هذه المنطقة، والحقيقة أنه خلال الأربعة عقود الماضية أضافت أميركا سببا آخر لتكثيف تواجدها في الخليج يتمثل في مجابهة أنشطة إيران في المنطقة وقد استطاعت أن تستخدم هذه الذريعة الاستراتيجية لتمرير أهدف مختلفة عما كانت تبحث عنه.
أما السبب الأخير والأهم من وجهة نظري فهو تعزيز التواجد الأميركي بالقرب من إسرائيل والاستجابة المباشرة لمخاوفها المستمرة والدائمة، فإسرائيل أصبحت تعاني وبشكل متزايد من قلق سياسي مرتبط بتراجع قدراتها على الاندماج في المنطقة رغم كل الصور السياسية حول علاقاتها مع بعض الأنظمة في الشرق الأوسط، أميركا تعمل وبقوة لتأكيد انخراطها العسكري في المنطقة بالاعتماد المباشر على شراكاتها الإقليمية والتحركات الأميركية الأخيرة بجلب ثلاثة آلاف جندي أميركي إلى قواعدها في الخليج وتحديدا قوات الأسطول الخامس يدعم هذه الفكرة.
على الجانب الآخر أشار الرئيس الصيني وبشكل واضح أن أميركا والصين على مفترق طرق من جديد، وذلك خلال لقائه كيسنجر الذي زار الصين الشهر الماضي، وقال الرئيس الصيني: إن المشهد الدولي يمر بتحولات كبيرة، في المقابل أعاد كيسنجر الإشارة إلى بيان شنغهاي الموقع بين الولايات المتحدة والصين في عام 1979م والذي ينص على أن الولايات المتحدة تقر (لكنها لا تعترف) بالموقف الصيني المتمثل في وجود صين واحدة وتايوان جزء من الصين، تايوان هي المنعطف الأكبر خلف زيارة كيسنجر، ولكنها ليست كل شيء، فذهاب كيسنجر إلى الصين وهو في عامه المئة يمثل رغبة أميركية في فهم متجدد للصين من جانب أميركا التي وجدت نفسها تصحو على تمدد ناعم للصين في أنحاء مختلفة من العالم.
السؤال الأهم يدور حول الكيفية التي سوف تعترف فيها أميركا بأنها تقف على مفترق طرق مع الصين التي تؤكد منافستها لأميركا على ضفاف الخليج حيث أصبح المشروع الصيني حقيقة بأنشطته الدبلوماسية والمصالحات التي نفذتها الصين في المنطقة والتي تستوجب أن تقر أميركا وتعترف بأن الصين شريك استراتيجي في هذه المنطقة.
محاور الاختلاف مرشحة للزيادة وخاصة أن الصين لا تبادل أميركا نفس الشعور حول المخاوف الإسرائيلية المبالغ فيها في المنطقة التي تنتج اليوم دولا ذات شخصية سياسية مستقلة وباحثة عن مصالحها، ومهما تحدثنا عن الفروقات بين أميركا والصين إلا أن الحقيقة الثابتة والمشاهدة أن أميركا بحاجة إلى فهم أعمق للنظرية الصينية في الخليج وإدراك أكبر أن النظام العالمي يتحول وقد يصعب قطع الطريق على الصين ومشروعاتها في الخليج.