إيلاف من بيروت: ماذا يحصل في لبنان؟ إنه سؤال يومي متجدد، لأن أحدًا لن يستطيع مجاراة الحوادث المتسارعة في هذا البلد الواقف عند حافة المجهول الجدي. فاللبنانيون منشغلون منذ أيام بمغامرة قضائية، بطلتها النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، المقربة من رئيس البلاد ميشال عون ومن صهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والرافضة أن تنفذ قرارًا سنّه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لكفّ يدها عن ملفات مالية كانت تتابعها.
ففي يومي الجمعة والسبت الماضيين، داهمت عون بنفسها مكتب "مكتّف للصيرفة"، وهي الشركة المنوط بها استيراد العملة الأميركية وشحنها إلى لبنان، برفقة عناصر من جهاز أمن الدولة اللبناني، وناشطين من تحالف "متحدون" المحسوب على باسيل، ما أدى إلى استدعائها للمثول أمام مجلس القضاء الأعلى الإثنين.
اشتباك عدلي
حل الاثنين، وتريّث مجلس القضاء الأعلى المنعقد استثنائياً في اتّخاذ أي إجراء في حق عون، وأمهلها إلى الثلاثاء لالتزام قرار عويدات، والامتناع عن النظر في قضايا المال والاتجار بالبشر والمخدرات والقتل، على أن تمثل أمامه الثلاثاء.
في الوقت نفسه، شهد قصر العدل في بيروت اشتباكًا بين مناصري القاضية عون والرئيس عون وصهره باسيل من جهة، وبين ناشطين يرون في سلوك القاضية عون المتفلت من الانصياع للأوامر القضائية خضوعًا منها لأهوائها السياسية.
يقول ناشطون أن القاضية عون "ربما" تكون على حق في تحقيقات تجريها في مسألة التحويلات المالية إلى الخارج، بداية بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وليس انتهاءً بشركة مكتّف وغيرها من شركات الصيرفة الكبرى والصغرى، لكنها غير محقة في فتح أي ملف مالي أو غير مالي يصب في صالح باسيل والتيار الوطني الحر، فيما تغض نظرها عن أي ملف يمكن أن يدين التيار أو مناصرين له.
لصالح حزب الله
تقول مصادر خاصة لـ "إيلاف" إن هناك ثلاثة موارد للعملات الصعبة إلى لبنان، أحدها شركة مكتف التي تداهمها القاضية عون طالبة داتا التحويلات المالية، خروجًا ودخولًا. فهذه الشركة هي "موزع رسمي وشرعي للدولار الاميركي وهذه مؤسسة شرعية وقديمة في هذا المجال، تربطها اتفاقيات مع الخزينة الأميركية والمراجع المالية الأوروبية ومؤسسات مالية عالمية أخرى".
المورد الثاني هو القادمون إلى لبنان، حاملين معهم العملة الصعبة لصرفها في البلاد.
تقول المصادر: "أما المورد الثالث فهو حزب الله، الذي يتحكم بمبالغ نقدية كبيرة بالدولار الأميركي، يحصل عليه من خلال شبكات السوق السوداء والصرافين التابعين له، وعمليات التهريب التي اعتبرها الشيخ النابلسي، أحد أركان حزب الله، في مقابلة أخيرة ركنًا من أركان دعم المقاومة".
تضيف هذه المصادر أن حزب الله، الساعي إلى الإمسكاك بمفاصل البلاد كلها، الأمنية والسياسية والاقتصادية، يريد وضع يده على الكتلة النقدية الأميركية في البلاد، ليكون اقتصاد الدويلة مسيطرًا على اقتصاد الدولة، ولمنع وصول الدولار إلى المصارف اللبنانية، فيصبح الجهاز المالي اللبناني في يد الحزب، "لهذا وجب إزاحة شركة مكتف من الطريق، وتم تكليف القاضية عون تنفيذ هذه المهمة بالتلطي وراء القضاء، ووراء شعبوية مكافحة الفساد"، بحسب المصادر.
ما فعلته القاضية عون أثار الشك في نفس غسان عويدات، الذي طلب من النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم إجراء التعقبات بشأن وجود شبهة حول مخالفة "مكتف" لشحن الأموال للأحكام التي ترعى عمل شركات شحن الأموال ولاسيما القرار الوسيط رقم 10726 المتعلق بتعديل القرار الأساسي رقم 8024 تاريخ11/1/2002، بحسب "الوكالة الوطنية للاعلام" اللبنانية.
مسرحية لا قضاء
في حديث لموقع "العربية"، قال المحامي الكسندر نجّار، وكيل شركة مكتف، أنه سيرفع دعوى ضد عون ومراجعة التفتيش القضائي ليتّخذ الإجراءات اللازمة بحقها، لأنها اقتحمت مكاتب الشركة بشكل غير قانوني، وتقديم شكوى ضد مرافقيها من رجال أمن ليس لهم أي سلطة قضائية أو تفويض بالمداهمة، إضافة إلى ناشطين من تحالف "متّحدون".
أضاف نجار أن عون تتصرّف بانتقائية في الملفات التي تتابعها، "وهي لا تنظر إلا في قضايا يتبع أصحابها لجهة سياسية معيّنة، وهي تستخدم قضية شركة مكتّف متراسًا للتهجّم على أحد المصارف، علماً أن القضية المطروحة سبق وصدر فيها قرار ظنّي، وقانون العقوبات واضح لجهة منع محاكمة الفعل نفسه مرتين".
وأكد نجّار أن مسرحية عون "ظاهرها قضائي وباطنها سياسي، وميولها السياسية واضحة وادّعاءاتها تصبّ دائماً ضد أطراف محسوبين على خط سياسي معيّن".