غلبت صورة نمطية عن الحياة العسكرية في عزوف العسكريين -ربما لدواعي قانونية- عن التوغل في أغوار الحياة السياسية والثقافية التي تشكل مصدر صداع وإرهاق في التحليل؛ لذلك سادت فكرة أن العسكري يفضل ثقافة غير مدنية، ولكنه تعميم خاطئ!
الشيخ فهد اليوسف الصباح، النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الداخلية، قدم مفاجآت حكومية وتحولاً لافتاً في ثقافة الحكومة الكويتية، فقد تسلح بجرأة القرار وشجاعة الموقف ليضع حداً لعقود من الرفاهية السياسية وعسل الحكومة، مستثمراً ثقة ودعم سمو الأمير في الاتجاه المنشود. لم يختر الشيخ فهد اليوسف معارك جانبية واستعراضات بهلوانية، وإنما اختار الميدان والحدث والأزمة وخوض التحدي، وتبنى الفعل وليس ردة الفعل، لتصحيح الاعوجاج والترهل في الجهاز الحكومي ومعالجة تجاعيد الزمن السياسي.
التواضع والفعالية في العمل
لم يسعَ الوزير الشيخ فهد اليوسف إلى بهرجة الظهور الإعلامي أو الحديث عن الأحلام والأمنيات ووهم "الضرب بيد من حديد" في المناسبات الحكومية وغيرها، بل ركز عمله على التنازل عن الصورة الذهنية لوزير الداخلية والدفاع الباحث عن التحية العسكرية وهيبتها. جاءت ثقافته الحكومية الجديدة في وقت دقيق بعد حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور، شكلها وقادها الشيخ فهد اليوسف دون الجزع من المسؤولية والمحاسبة السياسية والوقوع في فخ التحدي والمساومة الإعلامية محققاً التفوق ضمن جهاز حكومي متهالك.
مواجهة الأزمات بشجاعة
كانت فاجعة حريق "المنقف" مأساة بشرية كشفت عن عورات حكومات ووزارات البلدية التي سكتت عن الفساد والتجاوزات والمخالفات والإهمال، ولم تحظَ باهتمام حكومي جريء سابقاً وحديثاً. لكن الشيخ فهد اليوسف قلب معادلات التركة الحكومية حتى تلك التي تقع خارج اختصاصه.
غياب العمل المؤسسي
ليس سراً غياب منظومة عمل مؤسسي في ثقافة الإدارة الحكومية، وغياب التصميم على معالجة الخلل من الداخل، حيث يعيش الجهاز الحكومي على نعومة القرار ورفاهية الوقت وردة الفعل وضجيج البيانات والتصريحات، وليس على ثقافة تحمل المسؤولية وتقبل المحاسبة وجرأة الاعتراف بالأخطاء والاعتذار وتبني عدالة القرارات. كسر الوزير الشيخ فهد اليوسف حاجز الفزع من تحمل المسؤولية الوزارية ومعادلات النفوذ في الحكومة وخارجها، ونجح في إحداث تغيير في العمل الحكومي ككل، وتقديم نموذج بديل لإدارة مترهلة ولكن قد تكون الحكومة أخر المستفيدين من النموذج الجديد!
الكويت مليئة بنماذج الفزع من المسؤولية السياسية واتخاذ القرارات الجريئة، فرفاهية المنصب الوزاري وترف المحاسبة وغياب العمل المؤسسي ولدت العزوف عن المنصب الوزاري والانكفاء السياسي والوظيفي وتكاثر ظاهرة الولع بالمظهر الوزاري!
الحديث عن ثقافة الحكومة الكويتية ذو شجون سياسية غير معقدة، لكن الحديث عن نموذج الشيخ فهد اليوسف يحتم التعميم والتكرار، فهو نموذج لثقافة حكومية جديدة فقدتها الكويت منذ عقود، حتى في زمن تكاثر الأخطاء والتقصير والتداخل والتشابك.
مفاضلة بين النماذج الحكومية
الكويت تمر بمرحلة دقيقة بعد حل مجلس الأمة (البرلمان) وتعليق بعض مواد الدستور من خلال بوابة حكومية جديدة قد تنتشل الكويت من التراجع والجمود والعثرات المفتعلة خلال العقود الماضية أو تكون الحكومة الوريث المخلص لعلاقة حميمة مع سوء الإدارة!
المفاضلة بين النموذج الوزاري السابق لحكومة الشيخ محمد صباح السالم والحكومة الجديدة للشيخ أحمد العبدالله ليست صعبة وشائكة، فقد تكرر النموذج الجديد الذي قدمه الشيخ فهد اليوسف منفرداً دون دعم وتناغم حكومي في مرحلتين مختلفتين لكنهما متشابهتين!
شيعت الكويت حكومات لا تحصى في ظل الديمقراطية وغيابها والدروس برهنت على معضلة حكومات متعاقبة لم تتعلم من الأخطاء والاهمال والفساد، فهل يكون الشيخ فهد اليوسف النموذج لإنقاذ الحكومة بكاملها والعبور إلى الانفراج والانجاز أم النموذج اليتيم؟!
مجالس الوزراء بمثابة الأب والأم لنماذج حكومية فاشلة، والنموذج الجديد لا يحتاج إلى شفعة التبني الحكومي، بل تكرار النموذج الجديد... نموذج الشيخ فهد اليوسف.