الضجيج الإعلامي حول احتمالية اتساع رقعة المواجهات وعمقها بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان، لا يحجب ثوابت تحدد بوصلة أي توغل عسكري في عمق خارطة التحالفات السياسية التي يعاد تشكيلها في لبنان والإقليم والعالم.
في السابع من أكتوبر الماضي، عندما انطلقت شرارة طوفان الأقصى، كان هناك قلة من المحللين، وقد أصنف نفسي واحداً منهم، أدركوا أن تسونامي هذا الطوفان سيكون كارثياً على مصير "الدويلة الفلسطينية" الموعودة. ومنذ الساعات الأولى كان السؤال الكبير: وماذا بعد التوغل المؤقت وارتداداته السياسية والأمنية الدائمة؟
مشاهد القتل والتدمير التي نفذتها - وتستمر بتنفيذها - آلة الحرب الإسرائيلية، وكأنها استقرت في زاوية "الأمر العادي" في الدماغ الإنساني. إلا أن حدثين صنفا "بالأمرين غير العاديين" في منطق التحليل السياسي. الأول هو أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت على علم مسبق بعملية السابع من أكتوبر، حسبما ذكر تقرير بثته الإذاعة الإسرائيلية، مما يشير إلى وجود مشروع سياسي بحجم الخسائر البشرية والمعنوية التي ألحقها الطوفان بإسرائيل. الثاني هو إطلاق إيران للمرة الأولى في 13 أبريل الماضي سيلاً من الطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل، رداً على استهداف الأخيرة لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال أحد أبرز قادة "فيلق القدس" بالحرس الثوري. رغم ما شاب الرد الإيراني من تساؤلات وغموض حينها، إلا أن إسرائيل شعرت للمرة الأولى بأن استهدافاً إقليمياً مباشراً يستهدفها. وتيقن العالم بأن مسار المسيرات كان ضمن خطوط التفاهم الاميركي الايراني الصلب.
التهديد الإعلامي الإسرائيلي الممنهج بالتوغل في جنوب لبنان يذكرني بالتهديدات الأميركية السابقة بضرب إيران، لجهة المحصلة السياسية والشعبية في الداخل الإيراني وكذلك الأميركي. في رأي أوساط سياسية بارزة، فإن أي توغل إسرائيلي في لبنان مستبعد لأنه خارج إطار التفاهم الأميركي الإيراني.
من هنا، قبل الانجراف في تسونامي التكهنات، لابد من التوقف أمام جملة من التفاهمات الإقليمية والثوابت الدولية، جميعها تستبعد الحرب في جنوب لبنان، إذ أن التفاهم الأميركي الإيراني أظهر تماسكه حتى الآن. ومن غير المستبعد أن يتكئ الرئيس جو بايدن على ترتيبات ضمن اتفاق أكبر مع طهران قبل دخوله الصعب إلى موقعة الانتخابات في نوفمبر المقبل. أي حرب في جنوب لبنان لن تكون نزهة للجيش الإسرائيلي ولا أحد قادراً على التكهن بمداها الجغرافي والزمني. وبالتالي لا يمكن أن تخدم سيد البيت الأبيض الحالم بالبقاء في مكتبه البيضاوي. كما أن الكباش الأميركي الصيني، والأميركي الروسي في الإقليم يفرض على الإدارة الأميركية أن تعزز حبال الود مع دول المنطقة وشعوبها، وليس العكس.
هناك تفاهم ضخم بين الرياض وواشنطن يُتوقع له أن يبصر النور قريباً، وما ترشح من معلومات حول القضية الفلسطينية، يظهر تمسك المملكة العربية السعودية بالثوابت العربية والقومية والإسلامية. فهل من مصلحة واشنطن المغامرة بتفاهم كهذا من أجل مغامرة إسرائيلية؟
ختاماً، وعلى إيقاع الحرب، هل تنضج مشاريع الحلول؟ وماذا يخفي لنا صندوق المفاجآت قبل إقفال صناديق الانتخابات الاميركية؟