وأنا أتابع بعض الملفات القديمة وأبحث في حقيقة الأمر عمّا يشفي الغليل في هذا الزمان الذي معظم أزمنتنا ليست أفضل منه، وجدت أنني وجهاً لوجه مع شاعر فلسطين.. وشاعر العروبة يوسف الخطيب الذي كانت قد ربطتني به معطيات مرحلة ليست أسوأ من المراحل اللاحقة!!.
كنا نتحلّقُ حول يوسف الخطيب في إحدى قاعات الجامعة السورية العريقة التي أعطت إلى العرب خيرة كفاءاتهم.. وكان أن بدأ بعد أن صدرت من حنجرته "نحنحةٌ" حتى هزت القاعة كلها.. لا بل واهتزت دمشق الحبيبة بأسرها.
وكان الذين قد استمعوا إليه وأكُفِّهم فوق "خدودهم".. طلبةٌ قد جاؤوا من بلدانهم لأن دمشق كانت مثابة الأمة العربية ولا زالت والتي فيها قد أطلق شعار: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة".
ويقيناً أنه عندما وقف يوسف الخطيب أمامنا على منصة جامعة دمشق و"تنحنح" بصوت مرتفع.. وبدأ يتلو: "أكاد اؤمن من شكٍ ومن عجبٍ.. هذي الملايين ليست أمة العرب.. هذي الملايين لم يَدْرِ الزمان بها.. ولا بذي قارٍ شدّت راية الغُلب" ويقيناً أنّ السكوت قد كان مخيماً.. ويومها كانت آخر مآسي فلسطين في ذروتها.. ثم إن يوسف الخطيب، رحمه الله، قد تفجّر حزناً وغضباً.. وانفلت وهو يتأوه إلى حد البكاء: "ولا تنزّل وحي في مرابعها.. ولا تبوك روت منها غليل نبي.. ولا على طنف اليرموك من دمها توهج الصبح تيّاها على الحقب ولا السّفينُ اشتعالٌ في المحيط ولا جواد عقبة فيه جامح الخبب".
وبالطبع فإن تلك اللحظات قد كانت لحظات محزنة بالفعل.. وإلا لما كان يوسف الخطيب قد خفت صوته وقال وهو يحاول كفكفة دموع عينيه: "تهيج بي ذِكَرُ التاريخِ جامحةً.. ويَعتريني الأَسَى حولي فَيَقعُدُ بي"، وهنا فإن هذا الشاعر الفلسطيني والعربي العظيم ينتهي إلى التأوه والقول "تَوَزَّعَتْني دُروبٌ لا لِقاءَ لها.. الذلُّ في الناسِ والعلياءُ في الكُتُبِ".
رحمك الله يا يوسف الرحمة الواسعة.. وحقيقة أننا أو بعضنا عندما نتذكّرُ ما كنت قلته فإنّ كلّ واحد منا لن يتورّع عن البكاء حتى تأخذ عيناه تقطر دمعاً كانت حرارته أكثر من حرارة نار جهنم!!.