إيلاف من واشنطن: يشير محللون إلى أن الرسوم الجمركية الأميركية المنخفضة على دول الخليج ربما تجذب الشركات العالمية، لكن آخرين يحذرون من أن الرسوم العالمية قد تهدد دخل النفط الحيوي وترفع تكاليف السلع الاستهلاكية.
أثار إعلان دونالد ترامب عن الرسوم الجمركية في وقت سابق من هذا الشهر حالة من الفوضى في الأسواق العالمية. وتعرضت دول مجلس التعاون الخليجي لرسوم جمركية بنسبة 10%، وهي نسبة منخفضة نسبيًا، إلا أنها تسببت في انخفاض أسهم الخليج حتى أعلن الرئيس ترامب تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا.
بينما يقضي قادة الخليج فترة التسعين يومًا في التفاوض على شروط أفضل مع الولايات المتحدة، يتوقع بعض المحللين أن يكون العصر الجديد من التعريفات الجمركية العالمية مفيدًا لدول مجلس التعاون الخليجي، إذ يجذب دولًا أخرى لنقل قواعدها الصناعية إلى دول الخليج ذات التعريفات الجمركية المنخفضة نسبيًا.
لكن آخرين يحذّرون من أن التعريفات الجمركية العالمية تُخفّض أسعار النفط، وتُؤجج حالة عدم اليقين، وتُعزز قيمة الدولار الأمريكي - وهي عوامل قد تُلحق الضرر باقتصادات الخليج.
حجم التجارة الخليجية الأميركية
تربط دول مجلس التعاون الخليجي علاقات تجارية وطيدة مع الولايات المتحدة. تُعد دولة الإمارات أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بإجمالي حجم تجارة بلغ 34.4 مليار دولار أميركي في عام 2024.
وتأتي السعودية في المرتبة الثانية بإجمالي حجم تجارة بلغ 25.9 مليار دولار أميركي هذا العام، بينما بلغ حجم تجارة قطر 5.6 مليار دولار أميركي، والكويت 4.1 مليار دولار أميركي، وعُمان 3.3 مليار دولار أميركي، والبحرين 2.9 مليار دولار أميركي.
بعد الإعلان عن الرسوم الجمركية، أبدت أكثر من 50 دولة اهتمامها بالتفاوض على الشروط. وتبدي عُمان والبحرين، اللتان تربطهما اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة، اهتمامًا خاصًا بالتفاوض.
البحرين مُلزمة أيضًا باتفاقية الأمن والازدهار الشاملة مع الولايات المتحدة، والتي تنوي المملكة المتحدة الانضمام إليها قريبًا. تُغطي هذه الاتفاقية، المُوقّعة في ديسمبر 2023، جوانب أمنية واقتصادية مُتعددة، مما يمنح البحرين ميزة تنافسية في هذه المجالات.
مفاوضات لخفضها أو الغائها تماماً
وقد صرح مصدر خليجي مطلع لـ"ذا ميديا لاين" بأن "دول الخليج تتفاوض مع الولايات المتحدة لخفض هذه الرسوم الجمركية أو إلغائها تمامًا ، مستفيدة من حوافز أخرى، مثل الاستثمارات الخليجية الكبيرة التي أعلنت عنها السعودية والإمارات في الولايات المتحدة". وأضاف: "لذلك، من المرجح أن تُرفع هذه الرسوم عن دول الخليج".
توقع عبد الله البقال، محلل البيانات الاقتصادية السعودي، أن الرسوم الجمركية على دول الخليج لن تتجاوز 5%. وصرح لصحيفة "ذا ميديا لاين": "ستكون هناك جولة مفاوضات، وأنا متأكد من أنها جارية حاليًا". وأضاف: "لن تفرض دول الخليج رسومًا جمركية على وارداتها من الولايات المتحدة، باستثناء رسوم الـ 5% المفروضة على جميع دول العالم. ومع ذلك، قد تُمنح إعفاءات إضافية للسلع الأميركية".
لا تزال أسهم شركات الألمنيوم الخليجية منخفضة بعد قرار ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الألمنيوم. تُنتج شركات الألمنيوم في الخليج حوالي 10% من إنتاج الألمنيوم العالمي، والذي يبلغ حوالي 64 مليون طن سنويًا.
وتصدر دول الخليج 60% من إنتاجها من الألمنيوم إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك السوق الأميركية التي لا تمثل سوى 10% من إنتاج الخليج.
يحتاج السوق الأمريكي إلى حوالي 4 ملايين طن من الألومنيوم الخام سنويًا نظرًا لافتقاره إلى الاكتفاء الذاتي. وستحتاج الولايات المتحدة إلى حوالي أربع سنوات من تاريخ تطبيق قرارات الرئيس ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الألومنيوم.
رغم أن إجمالي الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الألمنيوم الخليجية يبلغ 25%، إلا أن هذه الرسوم لن تؤثر بشكل كبير على واردات الولايات المتحدة من الألمنيوم من دول مجلس التعاون الخليجي. وتظل صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى الولايات المتحدة أكثر تنافسية من صادرات كندا والهند وأستراليا.
الاستفادة من الرسوم المنخفضة
بعد تطبيق هذه التعريفات، يرى العديد من المحللين الاقتصاديين أن هناك فرصة سانحة لدول الخليج لتصبح مركزًا للصناعات المُصدّرة إلى الولايات المتحدة، مستفيدةً من التعريفة الجمركية المنخفضة نسبيًا البالغة 10%. ويمكن للشركات الخاضعة لتعريفات جمركية باهظة، مثل تلك الموجودة في شرق آسيا، إنشاء مرافق تصنيع في الخليج.
وقال رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين سمير ناس في تصريح للصحافيين مؤخرا: "يمكن لدول الخليج الاستفادة من انخفاض الرسوم الجمركية لتصبح قاعدة للصناعات المصدرة إلى الولايات المتحدة".
قال إنه يتوقع انخفاض أسعار السلع. وأوضح: "السلع التي لن تُصدّر إلى الولايات المتحدة ستبحث عن أسواق أخرى، ومن المؤكد أن دول الخليج ستكون إحدى هذه الأسواق. قد يحصل المستهلكون على منتجات أفضل بأسعار أقل".
لكن تحدي ارتفاع التكاليف مقارنةً بدول آسيا يبقى عاملاً مهماً. يبلغ الحد الأدنى للأجور في دول الخليج 300 دولار أميركي شهرياً، بالإضافة إلى رسوم أخرى مفروضة للحصول على تصاريح العمل والتأمين الصحي. هذا يرفع تكلفة العامل الواحد إلى أكثر من 400 دولار شهرياً. في حين أن تكاليف العمالة في دول مثل الهند وبنغلاديش وغيرها أقل بكثير.
وقال البقال عن نقل التصنيع إلى دول الخليج: "الطاقة رخيصة هنا، ولكن التكاليف الأخرى تبقى، مثل رواتب الموظفين وأشياء أخرى، وقد تجعل هذه المهمة صعبة".
تكاليف التصنيع.. إلى أين؟
قال إن المصانع في دول الشرق الأوسط الأخرى قد تستفيد، وكذلك دول مثل الصين والهند التي فُرضت عليها رسوم جمركية مرتفعة للغاية. وأضاف: "أما بالنسبة لبقية الدول، فهناك فرق كبير في تكاليف التصنيع، وهو ما يفيد هذه الدول، وليس دول الخليج".
أدت الرسوم الجمركية الأمريكية أيضًا إلى انخفاض أسعار النفط، مما ضغط على ميزانيات دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط في الإنفاق الحكومي. وتستجيب دول أوبك+ بخفض الإنتاج سعيًا لإعادة الأسعار إلى نطاق يتراوح بين 70 و80 دولارًا للبرميل. ولا تزال هذه الأرقام أقل من سعر التعادل لدول مثل السعودية والكويت والبحرين، التي تحتاج إلى أرقام أعلى لتجنب عجز الميزانيات الحكومية.
من المتوقع أن يؤدي إعلان الرسوم الجمركية الأمريكية إلى ركود تضخمي عالمي، مما سيؤدي إلى تفاقم أزمة سلسلة التوريد العالمية. لم تعد العديد من المنتجات الاستهلاكية تُنتج في بلد واحد، وبدأت الدول بفرض رسوم جمركية ورسوم مضادة، مما رفع أسعار هذه السلع للمستهلك النهائي. على سبيل المثال، أصبحت أسعار السلع التي تحتوي على مكونات صينية وأمريكية أعلى بنسبة 68% مما كانت عليه قبل هذه الرسوم.
ونظراً لزيادة حجم الواردات الخليجية، فإن هذا الوضع يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم نتيجة ارتفاع أسعار المستهلك، وارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة تكاليف المشتريات الحكومية، مما يؤدي بدوره إلى زيادة الإنفاق في الموازنة العامة.
تحولات التجارة العالمية.. ما هي الفوائد؟
ومع ذلك، ثمة فرصة كبيرة أمام دول الخليج للاستفادة من تحولات التجارة العالمية. تواجه العديد من الدول الآن رسومًا جمركية مرتفعة في السوق الأميركية، لدرجة أن هذه السوق أصبحت شبه مغلقة أمام منتجاتها بسبب ارتفاع أسعارها، وخاصةً السلع الاستهلاكية.
قد تبحث هذه الدول عن أسواق بديلة، ويبرز السوق الخليجي كوجهة واعدة، لا سيما بالنظر إلى نشاطه الكبير في إعادة التصدير إلى دول ثالثة. وتُعد مناطق التجارة الحرة الخليجية، وأبرزها المنطقة الحرة بجبل علي في دولة الإمارات من أبرز محركات إعادة التصدير.
في مواجهة هذه الفرص، تُواجه تحديات الإغراق في السوق الخليجية نتيجةً لتحولات التجارة، مما يُهدد الصناعات الخليجية في أسواقها. ولتحقيق ذلك، دعت اللجنة الوطنية لصناعة الحديد في المملكة العربية السعودية إلى اتخاذ إجراءات حمائية للصناعة الخليجية، بما في ذلك زيادة الرسوم الجمركية، تحسبًا لبحث الشركات العالمية عن أسواق بديلة.
الارتباط الخليجي بالدولار.. ماذا سيحدث؟
حذر المحلل الاقتصادي الكويتي عبد الله الأمير من الآثار غير المباشرة للرسوم الجمركية على اقتصادات دول الخليج. وقال لصحيفة "ذا ميديا لاين": "سترتفع أسعار جميع السلع، والعملات الخليجية مرتبطة بالدولار، ولن تتمكن من تحمل ارتفاع أسعار هذه السلع". وأضاف: "كما انخفضت أسعار النفط إلى مستويات لا تُطاق".
وبالمثل، حذّرت نورا الفيحاني، المحللة الاقتصادية البحرينية، من أن الرسوم الجمركية ستُسفر عن عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. وصرحت لصحيفة "ذا ميديا لاين": "سيتطلب استقرار السوق فترة انتعاش طويلة، وهو أمر لا يمكن تحديده حاليًا، نظرًا لردود فعل الدول تجاه هذه الرسوم".
وأشارت إلى أن سوق البحرين المالي كان الأقل تأثراً من بين أسواق دول مجلس التعاون الخليجي نظراً لاستقراره وحجمه.
وأضافت: "من المؤكد أن دول الخليج ستتأثر، ربما ليس من خلال الصادرات المباشرة إلى الولايات المتحدة، ولكن هناك انخفاض في أسعار النفط. علاوة على ذلك، ترتبط عملات خمس من أصل ست دول خليجية بالدولار، مما قد يؤدي إلى انخفاضها، مما يؤثر على أسعار السلع الاستهلاكية في الخليج".
وقالت إن بعض التداعيات المترتبة على الرسوم الجمركية أصبحت واضحة بالفعل، والبعض الآخر لن يتضح إلا بعد انتهاء فترة التجميد التي تبلغ 90 يوما.