أعادت الصين فتح اقتصادها بعد فترة إغلاق طويلة، وتخلت بالكامل عن قيود كورونا وسياسة صفر كوفيد. لكن الحكومات وشركات الطاقة تنتظر الآن لترى ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى صناعة الطاقة وسلاسل التوريد العالمية. المحللون غير متأكدين مما إذا كانت إعادة فتح حدود الصين تعني استئناف العمل كالمعتاد، أو ما إذا كانت الاضطرابات المستمرة ستظهر بسبب أعوام من الإغلاق وتحديات الصناعة. في هذا الجانب، قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، في وقت سابق من الشهر الماضي، إن إعادة فتح الصين اقتصادها تشكل أكبر حالة عدم اليقين بالنسبة إلى أسواق الطاقة العالمية. وأشار إلى أن أسواق النفط "متوازنة" في الوقت الحالي، لكن المنتجين غير متأكدين حاليا من حجم التغيير في الطلب مع هذه التطوارات". أوضح المدير التنفيذي للوكالة، "بالنسبة لي، أكبر استجابة لأسواق الطاقة في الأشهر المقبلة هي من الصين". وأضاف أن "اقتصاد الصين ينتعش الآن". "مدى قوة هذه الميزة ستحدد ديناميكيات سوق النفط والغاز"، و"إذا كان هناك انتعاش قوي جدا، فقد تكون هناك حاجة إلى زيادة منتجي النفط إنتاجهم".
لقد انخفض الطلب العالمي على النفط بشكل كبير، حيث فرضت الصين قيودا صارمة على الوباء، ما حد من النشاط الصناعي والتنقل. لكن الآن بعد استئناف عديد من الأنشطة، يشعر المحللون بالقلق من أن إنتاج النفط العالمي الحالي لن يلبي احتياجات ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم. تقدر وكالة الطاقة الدولية زيادة واردات النفط الصينية بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا، لتصل إلى 7.2 مليون برميل يوميا خلال 2023. ومن المتوقع أن تزيد الدول في المناطق الرئيسة المنتجة للنفط، مثل: الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا، إنتاجها على مدار العام لتلبية احتياجات ارتفاع الطلب. لكن عدم اليقين بشأن احتياجات النفط في العالم يجعل من الصعب ضمان إمدادات النفط الضرورية.
وأثرت حالة عدم اليقين هذه بالفعل في أسعار النفط، حيث ارتفع سعر خام برنت القياسي في كانون الثاني (يناير) بعد الإعلان عن أن الصين ستنهي سياستها الخاصة بكورونا، حيث يتوقع المستثمرون ارتفاعا حادا في الطلب على النفط في 2023. ومع ذلك، يعتقد المحللون أن الصين من المرجح أنها زادت وتيرة تخزين النفط الخام في العام الماضي، ما يعني أن واردات الصين هذا العام قد لا تكون قوية كما كان متوقعا. لكن قد يعني ذلك أيضا أن المصافي تستعد لزيادة الطلب في الأشهر المقبلة بعد إلغاء القيود. بالفعل، أصدرت السلطات مجموعة كبيرة من القرارات للسماح للمصافي المستقلة باستيراد النفط الخام.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الصين لا تبلغ عن مخزونات النفط الخام، وكل الأرقام مجرد تخمينات بشأن الكميات التي خزنتها خلال العام الماضي. هذا يعني ببساطة أن هناك عديدا من المتغيرات التي تزيد من عدم اليقين بشأن ما يعنيه انفتاح الصين بالنسبة إلى أسواق الطاقة. هناك يقين واحد في أسواق النفط - النمو الاقتصادي في الصين كان وسيظل عاملا رئيسا في الطلب العالمي على النفط، وقادرا على تحريك أسعار النفط في أي من الاتجاهين.
بالفعل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، كان المحرك الرئيس لأسعار النفط هو إعادة فتح الصين، وتحسن التوقعات بشأن الطلب الصيني بسبب إعادة فتح الاقتصاد. في هذا الجانب، قالت "أوبك" في تقريرها الشهري، "خروج الصين من سياسة صفر كوفيد سيدفع الطلب إلى الأعلى، إضافة إلى ذلك، من المرجح أن تدعم خطط الصين لتوسيع الإنفاق المالي لمساعدة الانتعاش الاقتصادي، الطلب على النفط في قطاع التصنيع، البناء، والتنقل".
من جانبها، قالت وكالة الطاقة الدولية إن "عاملين مهمين يهيمنان على توقعات سوق النفط في 2023، روسيا والصين". في حين من المقرر أن يرتفع طلب الصين على النفط، إلا أن مستقبل الإمدادات من روسيا غير معروف.
لكن، عندما يتعلق الأمر بالغاز الطبيعي، قد لا تضطر أوروبا إلى القلق كثيرا بشأن زيادة الطلب من الصين. من المتوقع أن تؤدي سياسة الطاقة في الصين، التي تسعى إلى زيادة واردات خطوط الأنابيب، واستخدام مزيد من الفحم، وتعزيز إنتاج الغاز المحلي، إلى كبح طلب الصين على الغاز الطبيعي في 2023. قد يساعد هذا أوروبا على الحفاظ على إمدادات الغاز المحدودة، لمجابهة البرد في الشتاء المقبل، مع توقع القارة مواجهة نقص إمدادات مرة أخرى. بعد فرض عقوبات على الغاز الروسي، تسابقت أوروبا لضمان إمدادات الطاقة في الأشهر الأخيرة، وفرض قيود صارمة على استخدام الغاز لتقليل الطلب، وتوفير ما يكفي لتلبية احتياجات المستهلك الأساسية.
بعد أن أصبحت الصين أكبر مشتر للغاز المسال في العالم في 2021، انخفضت وارداتها من الغاز المسال 20 في المائة لتصل إلى 88 مليار متر مكعب في 2022. وفي الوقت نفسه، ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المسال إلى 131 مليار متر مكعب العام الماضي، بزيادة 60 في المائة تقريبا عن 2021. هذا العام. من المتوقع أن تزيد واردات الصين من الغاز المسال 7 في المائة فقط، لتصل إلى 94 مليار متر مكعب، ما يخفف -مؤقتا- الضغط على الاتحاد الأوروبي ليكافح أكثر في العثور على مزيد من الموردين. على الرغم من أن طلب الصين المتزايد على الطاقة قد يكون مصدر قلق لأسواق الطاقة العالمية، وقد يؤدي إلى نقص الطاقة وارتفاع أسعار النفط والغاز، إلا أن استئناف أنشطتها الصناعية من المرجح أن يدعم النمو الاقتصادي العالمي هذا العام، ما سيساعد الدول على الأرجح على مواجهة هذا التحدي بشكل أفضل. من المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي للصين 6.5 في المائة في 2023، ما قد يساعد على رفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي 1 في المائة بحلول نهاية العام.
بالفعل، يعتقد معظم المحللين أن توقعات النمو العالمي بعد تخلي الصين عن سياسة صفر كوفيد ورفع القيود أصبحت أكثر إشراقا، ويتوقعون أن تتجنب معظم الاقتصادات الكبرى الركود بعد تراجع أسعار الغاز الأوروبية، وتحسن بعض المؤشرات المالية العالمية.