: آخر تحديث
"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية

قلق المواطن وقود الشعبوية في الغرب

147
138
147

وضعت التكنولوجيا المعسكرة المواطن الغربي بين كفتي الحرب والسلام، بين العقل والجسد. هنا تكمن حالات عصبية، حيث يعتمد الجميع في الغرب اليوم على الشعور بدلًا من الحقيقة.

إيلاف: يعيش المواطن الغربي أوقاتًا عصيبة، حيث فقد الثقة بالخبراء أو السياسيين، ويمشي خائفًا من الإرهاب، الذي وصل إلى شوارعه، ويلوذ في أحيان كبيرة بالماضي هربًا من حاضره المر، ولم يعد متأكدًا ما هي معايير الحقيقة في عالم من الحقائق البديلة. وبات مهيئًا ذهنيًا لكارثة محدقة.

السوسيولوجي البريطاني وليام ديفيز يصف هذا الوضع بأنه "حالة عصبية" تترنح دائمًا على حافة الصراع. ويستكشف ديفيز في كتابه "حالات عصبية: كيف هيمن الشعور على العالم" Nervous States: How Feeling Took Over the World، دور المشاعر في إعادة تشكيل العالم. 

بالغوص عميقًا في التاريخ والفلسفة وعلم النفس والاقتصاد، يبيّن الكاتب كيف تفككت بعض الفرضيات الأساسية التي كانت تحدد العالم الحديث. وبما تحقق ويتحقق من إنجازات في العلم والطب، لم يعد الإنقسام بين العقل والجسد واضحًا كما كان في زمن ديكارت، ولم يعد الالتزام بالعقل قويًا كما كان في زمن هوبز.

بين الحرب والسلام
جاء إنتشار التكنولوجيا الرقمية والعسكرية ليضع المواطن الغربي بين كفتي الحرب والسلام. يقول ديفيز إن في هذا الفضاء الضبابي الجديد بين العقل والجسد، بين الحرب والسلم، تكمن حالات عصبية، حيث يعتمد الجميع في الغرب اليوم على الشعور بدلًا من الحقيقة، لا سيما أن الأرض تحت أقدام المواطن ليست صلبة اليوم كما كانت في السابق.

يتناول ديفيز نظرية التقدم المطَّرد للمجتمعات الغربية، على سبيل المثال، التي أنتجت جيشًا من الخبراء المسلحين بالإحصاءات والأرقام والجداول. وعلى الرغم مما يُقال عن هذا التقدم، فالحقيقة أن أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة لم يشهدوا تقدمًا إقتصاديًا منذ 40 سنة، كما يقول المؤلف.

بالتالي، ليس من المستغرب أن يثير هذا شعورًا بالاستياء والنقمة، ومثل هذه المشاعر المريرة هي المحرك الأساسي لصعود الشعوبية. كما إن النزعة القومية لا ترفع رأسها تلقائيًا، بل تنشأ عندما لا تجد عواطف مثل الخوف والقلق والوحدة والإغتراب صوتًا ديمقراطيًا يعبّر عنها.

حقائقكم خاطئة
يشير المؤلف إلى بريكست على أنه المثال البديهي الذي يؤكد رأيه. فمؤيدو بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي يواجهون أنصار بريكست بالأرقام، ليثبتوا أن حقائقهم خاطئة. وهم في الحقيقة يقولون لهم إن مشاعرهم خاطئة. لكن رفض اللاعقلاني لا يلغيه، كما تلاحظ سوزان مور في مراجعتها كتاب ديفيز في صحيفة غارديان.

يوصف بريكست في بعض الأحيان بأنه إيذاء للنفس، ينسف الحكمة القائلة إن الناخبين يصوّتون لأسباب إقتصادية. لكن بالنسبة إلى الذين يعانون فإن إيذاء النفس هو إستعادة لذاتهم الفاعلة، بحسب مور.

يضع المؤلف جسد الإنسان في الخطاب السياسي. وبحسب ديفيز، الذين إنساقوا وراء الحركات الشعبوية والقومية في أوروبا أو الولايات المتحدة يكونون عادة أشخاصًا يعيشون مع الألم، مع الأمراض المزمنة والكآبة. ويقول إن الألم يخلق "غياب السرد" في حين إن الشعبوية بتعبئتها مشاعر الإستياء توفر لهم هذا السرد الذي يغيُّبه الألم. 

ويستعرض المؤلف كيف أن الألم والوعد بإنهائه من خلال السوق هو على وجه التحديد ما سبب وباء تعاطي تعاطي المهدئ الأفيوني أوكسي كونتين. ومع ذلك يبقى على المواطن الغربي أن يثق بالسوق أكثر من ثقته بالحكومة.

اقتصاد الانتباه
مثل هؤلاء يتبخترون في عالم ما بعد الحقيقة، واعدين المواطن الغربي بأن يكون سيد مصيره كاملًا. ويسهم الإعلام الاجتماعي بقسطه في تكريس هذا الوهم. ويتحدث المؤلف بوضوح عن "اقتصاد الانتباه" الذي يرتبط باسم مارك زوكربرغ مؤسس شركة فايسبوك ورئيسها التنفيذي، وكيف أن هذا الاقتصاد يقتضي من المواطن أن يستثمر أكثر فأكر من عواطفه وأعصابه.

تلاحظ مور في مراجعتها كتاب وليام ديفيز أنه ينسج الكثير من الأفكار في ما بينها، بحيث يشعر القارئ بالغرق فيها، ومن الصعب أن يعرف إلى أين تقوده. لكن ما يطرحه بكل تأكيد هو الحاجة إلى إعادة بناء التحليل السياسي التقليدي الذي يستبعد المشاعر المتناقضة. 

لنأخذ على سبيل المثال الهجرة، يمكن أن يشعر الغربيون أن فرص عملهم ومصادر رزقهم مهددة، لكنهم في الوقت نفسه يدركون أن المهاجرين يسهمون في إغناء المجتمع وتحسين نوعية الحياة من خلال عملهم في قطاعات مهمة مثل الخدمات العامة، بما فيها الصحة والنقل والبناء.
 
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان". الأصل منشور على الرابط:
https://www.theguardian.com/books/2018/oct/28/nervous-states-how-feeling-took-over-the-world-william-davies-review
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات