ليس من قبيل المصادفة أن يتقاطع توقيتُ إطلاق "روتانا ساينز" مع الموجة السعودية الكبرى لإعادة تشكيل القطاعات الحيوية؛ فهذا المشروع ثمرةُ رؤيةٍ مدروسة تُدرك أن الإعلام لم يَعُد تابعًا للحدث، بل صانعًا له. وفي زمنٍ تُقاس فيه الهيمنة بمدى السيطرة على الخطاب والصورة الذهنية، يأتي هذا التحالف ليؤكّد أن روتانا، ومن خلفها العقولُ الاستثمارية الوطنية، تعي تمامًا أنّ التأثير في المجتمعات لا يتحقّق بالقوة المجرّدة، بل بالرسائل التي تُبنى على الإبداع وتُسوّق بالاحتراف.
ومن هنا، يغدو لقاءُ برج المملكة أكثرَ من احتفالِ تدشين؛ إذ ظهر في هيئة بيانٍ استراتيجي لمن أراد أن يفهم توجّهات الاقتصاد السعودي في مرحلته القادمة. فعندما يجتمع الأمير الوليد بن طلال، بصفته رمزًا للاستثمار الإعلامي، برموز من القطاع الخاص مثل عبداللطيف محمد العبداللطيف، وصفوةٍ من رجال الأعمال والاستثمار، فنحن أمام لحظةٍ يُعاد فيها تعريف العلاقة بين الهوية الوطنية ورأس المال الإعلاني. وهذا ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورةٌ يفرضها الواقع؛ لأن اقتصادًا ينشد العالمية لا يمكن أن يُترك بلا ذراعٍ إعلامي يُجيد الترويج لفرصه، والدفاع عن مصالحه، وصياغة صورته أمام العالم.
إنّ الإعلان لم يَعُد صراخًا تجاريًا في الفراغ، وإنما هو هندسةٌ للمعنى، ومن يملك زمامه يمتلك القدرة على توجيه الإدراك الجمعي. وفي هذا السياق، فإن إطلاق "روتانا ساينز" هو استثمارٌ في رأس المال الرمزي للمملكة، تمامًا كما هو استثمارٌ في السوق. ولا عجب أن يصف رجال الأعمال هذا التحالف الجديد بأنه "نقلة نوعية"، لأنهم يُدركون أن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بالعائدات، بل بالقدرة على تحريك البوصلة، وصناعة التأثير، وتمكين العلامة السعودية من اعتلاء المنصات العالمية دون أن تُفرّط بذرةً من هويتها