: آخر تحديث

فلسطين بين الاعتراف وإنهاء الاحتلال وقيام الدولة

1
1
2

الأصل في الاعتراف أن يكون بين دول مستقلة، ويعني إعلان دولة ما اعترافها بأن دولة أخرى تملك مقومات الدولة (الإقليم، والشعب، والسلطة أو السيادة). وبناءً على هذا الاعتراف، يُصار إلى التعامل معها كدولة ذات سيادة، يحق لها عضوية الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية، وإقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى، والدخول في معاهدات دولية في شتى المجالات.

قد يكون الاعتراف رمزيًا، وهو إعلان رسمي برغبة الدولة المعترِفة في إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة الجديدة. وقد يكون فعليًا وصريحًا، يتمثل في فتح السفارات، وتبادل العلاقات، وتوقيع المعاهدات. وبذلك، تصبح الدولة طرفًا في القانون الدولي العام، وتكتسب أهلية حماية الحصانة الدبلوماسية، والانضمام إلى المنظمات الدولية. كما أنه يمثل رسالة لدعم حق تقرير المصير، ويضع ضغطًا على الدول الرافضة للاعتراف، أو المستمرة في احتلال وضم أراضي هذه الدولة. وبناءً عليه، تصبح للدولة حقوق وواجبات.

وينطبق هذا اليوم على الحالة الفلسطينية التي تقدم أنموذجًا مختلفًا للاعتراف. فالاعتراف أصلاً نوعان: الأول، الذي نشأ في أعقاب عام 1648 للدول التي قامت على أنقاض النظام الإقطاعي. والثاني، ويشمل دول العالم الثالث التي نشأت في أعقاب التحرر من السيطرة الاستعمارية.

أما في الحالة الفلسطينية، فالإعلان عن الدولة وقبولها عضوًا في الأسرة الدولية يأتي بالرغم من استمرار الاحتلال الإسرائيلي وفقدان أسس ومقومات الدولة المستقلة، كما نصت على ذلك معاهدة مونتيفيديو لعام 1833 التي اشترطت توافر الإقليم والشعب والسلطة. وفي الحالة الفلسطينية، الإقليم تحت الاحتلال وغير مكتمل، والسلطة فاقدة لسيادتها ولا تمارس سلطتها على كل الإقليم، فإسرائيل تتحكم وتسيطر على كل مكونات الحياة من مياه واقتصاد وتحركات بشرية؛ بتحكمها في كل المنافذ البرية والجوية وحتى البحرية. وهنا تكمن الإشكالية الكبرى للاعتراف من الأعلى، وإشكالية كيفية أن يؤدي هذا الاعتراف إلى إنهاء الاحتلال والضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها.

من ناحية أخرى، يفرض هذا الاعتراف على الفلسطينيين مسؤولية ممارسة مقاربات الدولة وفقًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال. وهو ما يعني هنا أن المسؤولية تقع على الدولة الفلسطينية وليس على فصائل المقاومة، مما يستلزم التخلي عن القوة المسلحة والانضمام إلى سلطة واحدة. ويُشترط أيضًا أن تكون السلطة ممثلة لكل الشعب، ومنتخبة انتخابًا شعبيًا، وتتوفر فيها الكفاءة والإصلاح السياسي. والأمر الآخر، أن هذا الاعتراف يفرض على الدولة الفلسطينية، وهي في حالة دولة مراقب في الأمم المتحدة، الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وأهدافها من حيث السلام والأمن. والأهم أن هذا الاعتراف يفرض على الفلسطينيين التحول إلى مرحلة الدولة بمؤسساتها المتعارف عليها، والتعامل مع الفاعلين الآخرين كدولة، وحتى مع إسرائيل التعامل في المفاوضات على أساس دولة تحت الاحتلال.

بالنسبة إلى الدول المعترفة، بالرغم من أن هذا الاعتراف رمزي، فإنه يُعد إنجازًا معنويًا وسياسيًا، واعترافًا بوجود هذه الدولة التي تعيق إسرائيل بقيامها، واعترافًا بوجود الشعب الفلسطيني وبسلطته المؤهلة لإقامة العلاقات الخارجية. لكن الإشكالية الكبرى هنا هي أنه اعتراف بقيام الدولة لكنه لا يعني قيام هذه الدولة ولن تمارس كل حقوقها السيادية. فعلى سبيل المثال، في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 تم الاعتراف بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة، وقامت إسرائيل بتدمير وهدم 17 منزلًا في القدس الشرقية، وأعلنت ضم القدس الموحدة وجعلها عاصمة لها. واليوم، هذا الاعتراف الذي وصل إلى رقم مهم (160 دولة مقابل 164 لإسرائيل)، وخصوصًا الاعتراف الأوروبي من فرنسا وبريطانيا وغيرها، هو اعتراف له دلالاته التاريخية، على اعتبار أن أوروبا وبريطانيا مسؤولة عن قيام القضية الفلسطينية، وهو اعتراف تصحيحًا لظلم تاريخي وقع على الشعب الفلسطيني حال دون قيام دولته.

يأتي هذا الاعتراف اليوم وحرب السنتين على غزة مستمرة بإبادتها وتدميرها الشامل، والتهديد بالهجرة القسرية لأكثر من مليونين نسمة. ويأتي هذا الاعتراف أيضًا باستمرار إسرائيل في الاستيطان في الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية، وبالتهديد بضم كل الضفة الغربية، والإعلان الصريح بعدم قبول الدولة الفلسطينية. هذه هي التحديات التي تفرض على الدول المعترفة أن تحوّل هذا الاعتراف لواقع وسياسات ملموسة لوقف هذا الضم وإنهاء الاحتلال بممارسة الضغط على إسرائيل. ومن ناحية أخرى، بتحول واقع فلسطين من دولة مراقب في الأمم المتحدة إلى دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة تحت الاحتلال. للتغلب على الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الذي يمنع ذلك، يمكن تحويل قضية الاعتراف إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وفقًا لقانون الاتحاد من أجل السلام، وتتوفر له أغلبية كبيرة باعتراف الـ 160 دولة. وفي حال الموافقة، تصبح فلسطين دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال، وتصبح مسؤولية إنهاء الاحتلال مسؤولية الأمم المتحدة والدول المعترفة.

ويبقى الاعتراف اعتراف الخطوة الأولى واعتراف المسؤولية الدولية بإنهاء الاحتلال، فلا يجوز قبول دولة عضوًا كاملًا في الأمم المتحدة تحت الاحتلال، فالأصل شرط القبول هو الاستقلال، وفي الحالة الفلسطينية تصبح هذه المسؤولية مسؤولية الأمم المتحدة. ولكنها تحتاج إلى رؤية وطنية فلسطينية شاملة مبنية على الشرعية الدولية وتفعيلها، ومدعومة بتأييد 160 دولة، وبإنهاء الانقسام والفصائلية، والالتزام بمقاربات الدولة في إنهاء الاحتلال الذي يكشف عدوانية إسرائيل وعدم التزامها بالشرعية الدولية. هذه هي قيمة الاعتراف الذي يقود إلى الدولة المستقلة كاملة السيادة.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.