: آخر تحديث

(الواد محروس بتاع الوزير) والولاء الوظيفي!

4
3
2

لا يكفّ صديقي الخليجي كلما زار بلده الثاني وشرّفني بالقيام بواجب ضيافته عن الحديث حيال ما تشهده المملكة عمومًا والعاصمة الرياض على وجه الخصوص من تسارع وتيرة مشاريع البُنية التحتية المُنجزة والتي على وشك الإنجاز، مؤكداً بأن زياراته المتكررة للرياض لا يفصل بينها سوى أشهر قليلة، وبالرغم من ذلك يرى حجم الفرق في الإنجاز. فقلتُ له بأن ما يراه باختصار هو نتيجة طبيعية لرؤية وطن آمن بها عرّابها سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه، وشاركه الحلم أبناء هذا الوطن رجالاً ونساءً، وعقدوا العزم جميعًا لتنفيذها على أرض الواقع. وشرحت لصديقي بمزيد من التفاصيل عن القطاعات التي حققت مستهدفاتها قبل التاريخ المقرر لإنجازها.

صديقي رائد أعمال في قطاع التغذية من جهة تجهيزات معدات الطبخ الضخمة والخدمات اللوجستية المتصلة بها، واتسع نشاطه مع تقادم عمله ليشمل بالإضافة إلى وطنه الأم، السعودية وبعض دول مجلس التعاون وبعض الدول العربية، وقد أتاح له عمله فرصة الاحتكاك ببعض الوزارات والمؤسسات الحكومية سواء بالتعامل المباشر أو غير المباشر، فباتت كثير من يوميات بعض القطاعات تأتيه أخبارها على هامش مباشرته لأعماله دون أن يطلبها. فحكى لي بعضًا من المفارقات التي سمعها لدينا، لكن ما استوقفني حقيقة عندما روى لي قصة قطاع وضع استبيانًا للولاء الوظيفي ولم يشارك فيه من كامل مجموع موظفي القطاع سوى 40 بالمئة تقريبًا، فقلت له مؤكدًا بأن الإدارة العليا قد استرعى انتباهها هذا الرقم وباشَرَتْ البحث عن أسباب وصول القطاع لهذه النسبة التي تُعبّر عن مرحلة متقدمة من الإحباط وعدم الثقة بنجاعة حلول التحديات؛ فقال لي على العكس، كانت رسائل التواصل الداخلي عبر البريد الإلكتروني معبّرة عن الرضا التام لنسبة المشاركة مع عبارات الشكر للمشاركين، ولم يوجد ما يشير إلى إحساس الإدارة العليا بالمسؤولية! فقلت له: ماذا سيصنعون لو بلغت نسبة المشاركة 70 بالمئة من إجمالي الموظفين؟! لا أستبعد أن يقوموا بعمل أوبريت غنائي احتفالي ضخم!

وعندما سألته عن السياسة الإعلامية لذلك القطاع، فاعتذر صديقي لشحّ معلوماته في هذا الشأن، وكل ما يعرفه بأن مؤسس إدارة التواصل بالأساس تخصصه لم يكن الإعلام! كما أنه قبل انتقاله كانت لديه قناعات غريبة في ميدان الإعلام، كما أنه أثار الكثير من الجدل بحذفه لما يُقارب ثلاثة آلاف تدوينة دفعة واحدة من حسابه على إحدى منصات التواصل الاجتماعي! فقلت: على هذه الخلفية قد تكون السياسة الإعلامية في ذلك القطاع شبيهة، مع الفارق، بسياسة وزير إعلام صدام حسين خلال بدء الضربات الجوية لطرد العراق من الكويت مطلع العام 1991، الوزير لطيف نصيّف جاسم، عندما كان يهلل ويكبر بأن المعركة قد حُسمت للعراق، في الوقت الذي كان فيه ليل بغداد قد تحوّل إلى نهار على وقع قنابل قوات التحالف!

فالإمعان في نقل صورة غير واقعية عواقبه وخيمة، قد لا ينتبه لها رئيس القطاع إلا عندما توشك السفينة على الغرق، ويبدأ إثر ذلك كبار الموظفين بالقفز منها. حينها سيكون الحال كما وصفه القائل: ستعلم إذا انجلى الغُبار أخيلٌ تحتك أم حمار! ثم إن القناعة بالمكتسبات القليلة، سواء في نسبة مشاركة الموظفين القليلة في الاستبيان أو غيرها من الاستحقاقات، لا تختلف كثيراً عن طموح الفنان الكبير عادل إمام (محروس) في فيلم (الواد محروس بتاع الوزير)، عندما شعر بأنه حقق كل شيء بمجرد إمساكه بالمقص الذي استخدمه الوزير مدكور فتيحه (الفنان الكبير المرحوم كمال الشناوي) لقص شريط إحدى المشاريع، مما حدا بمطاوع الدخاخني (الفنان الكبير المرحوم حسن مصطفى) والد محروس، الذي كان يشاهد افتتاح المشروع عبر نشرة أخبار التلفزيون، إلى الصراخ والرقص مردداً في الجموع: محروس مسك المقص.. الواد مسك المقص!.

إنَّ فقدان الإحساس بصفة عامة مشكلة كبيرة، فكيف إذا كان هذا الإحساس مفقودًا في قطاع يعمل به آلاف الموظفين؟ وتتفاقم المشكلة أكثر إذا كان هذا القطاع أحد القطاعات المستهدفة بالتحول منذ سنوات ولم يتم حتى الآن. لا شك أن المسؤولية مضاعفة على الوزير المعنيّ بذلك القطاع لاكتشاف مكامن الخلل وأسبابه، فقد يكون حوله ضباب كثيف يمنعه من رؤية الصورة بشكل واضح. أكملنا عشاءنا أنا وصديقي وعدنا لمحاور حديثنا الممتع، وكلنا أمل بأن تتحسن أحوال ذلك القطاع وكل قطاع على شاكلته.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.