ابوظبي : يبحث البريطاني لويس هاميلتون عن تعزيز موقعه كأحد أعظم السائقين في تاريخ بطولة العالم للفورمولا واحد، عبر فوزه بلقبه العالمي الثامن القياسي على حلبة مرسى ياس في أبو ظبي الأحد، في إنجاز خيالي لشاب ترعرع وكبر من رحم المعاناة.
يا لها ما رحلة طويلة!
نجل رجل أسمر البشرة وأم صاحبة بشرة بيضاء، افترق والداه عندما كان صغيراً، فترعرع هاميلتون في مجمّع سكني وتعايش مع الفقر المدقع.
اضطر والده، أنتوني، أن يعمل في ثلاث وظائف في الوقت ذاته من أجل تمويل الخطوات الاولى لنجله الصغير في سباقات الكارتينغ.
كان واضحاً منذ البداية وفي سن مبكرة أن هاميلتون يمتلك موهبة السرعة والغرائز القاتلة الطبيعية لشخص وُلد ليكون سائقاً.
في عام 1995، في سن العشرة أعوام، مرتدياً سترة وحذاء اقترضهما من سلفه وبصفته البطل المتوج لفئة "فورمولا كاديت" (الصغار) في سباقات الكارتينغ، توجه هاميلتون إلى حفل توزيع الجوائز في لندن حيث التقى مدير فريق ماكلارين حينها رون دينيس.
طلب هاميلتون الصغير من دينيس الحصول على توقيعه، قائلاً له "في يوم من الأيام سأسابق مع فريقك"، فأجاب الأخير "اتصل بي بعد تسعة أعوام وسأعقد معك صفقة".
زئبقي وعاصف
جريء، حازم وغير عادي، كاد هاميلتون أن يفوز بلقب بطولة العالم للفئة الاولى منذ عامه الأوّل الذي شهد تحطيمه للعديد من الأرقام القياسية، حيث تمكن من الصعود إلى منصة التتويج خلال تسعة سباقات توالياً منذ بداياته الاولى في ملبورن الاسترالية، ليدهش الجميع بسرعته وأسلوبه القيادي الجريء.
على المسار وخارجه، كان سريعاً، زئبقيًا وعاصفًا في بعض الأحيان، وقادت توليفة ماكلارين في عام 2007 إلى منافسة شرسة تحت السقف الواحد بين هاميلتون وزميله بطل العالم مرتين الإسباني فرناندو ألونسو (2005 و2006).
فوّت البريطاني عليه فرصة الفوز باللقب في ذلك العام، لكنه عوّض إخفاقه بسبب معركته مع ألونسو والتي استفاد منها سائق فيراري الفنلندي كيمي رايكونن ليحرز اللقب، بالتتويج الاوّل في مسيرته في عام 2008 عقب تقدمه للمركز الخامس عند المنعطف الاخير من الجولة الختامية على حلبة إنترلاغوس البرازيلية، ليخطف اللقب بعمر الثالثة والعشرين بفارق نقطة يتيمة أمام البرازيلي فيليبي ماسا ويصبح أصغر بطل في بطولة العالم في سن الـ23.
أظهر البريطاني امتعاضه من ماكلارين الذي فشل في وضع بين يديه سيارة قادرة على الفوز مجدداً ومقارعة سرعة سيارة فريق ريد بول وسائقه الألماني سيباستيان فيتل اللذين هيمنا على لقبي السائقين والصانعين بين عامي 2010 و2013، في حين قرر هاميلتون مغادرة ماكلارين للانتقال إلى مرسيدس.
وبعدما تحرّر من إدارة وسطوة دينيس ووالده، وجد هاميلتون حريته مع الحظيرة الألمانية إلى جانب زميله وصديق الطفولة ومنافسه في بطولات الكارتينغ الألماني نيكو روزبرغ.
مكّنت الحرية الّتي حصل عليها هاميلتون من أن يعبّر عن نفسه بأسلوب حياة تصدّر، وما زال، العناوين عبر المحيط الأطلسي بالاختلاط بالموسيقيين و"عشّاق الموضة".
كما أظهر القليل من الحب للاتفاقيات التي تحاك داخل الفريق الواحد، وبالنسبة للعديد من المراقبين، منح رياضته دفعة ترحيب من النضارة والتنوّع بفوزه باللقب مجدداً في عامي 2014 و2015.
كسر روزبرغ تفوّق هاميلتون في عام 2016 قبل أن يعلن بعد أيام قليلة من فوزه اعتزاله عالم السرعة، تاركاً البريطاني بمفرده ليهيمن على مقدرات البطولة ففاز في أربعة القاب متتالية (2017 2020)، متساوياً مع الاسطورة الالماني ميكايل شوماخر.
قال مواطنه وزميله السابق في ماكلارين جنسون باتون إن هاميلتون يتمتع بالسرعة المطلقة.
وأضاف بطل العالم 2009 "بالنسبة لي، وخلال لفة واحدة، لا أعتقد أن هناك أي سائق يتمتع بالسرعة مثل لويس ولا أعتقد أنه تواجد أي سائق مثله في أي وقت مضى".
ارتبطت سرعة هاميلتون، في المواسم الأخيرة، بخبرة اكتسبها وبالمزيد من النضج بعدما بات الناطق الأوّل لفريقه مرسيدس وباني أمجاده، فرفع عدد انتصاراته القياسية إلى 103 ومثلها عدد انطلاقاته من المركز الاوّل.
"أنا إنسان"
تحدّث مدير فريق "الأسهم الفضيّة" النمسوي توتو وولف عن صفات سائقه قائلاً "ليس قنوعاً أبداً. لا يقبل بالتسويات أبدًا. ليس سعيدًا أبدًا بمكانته كسائق وكإنسان".
وبعدما حقق الكثير للفورمولا واحد من خلال كونه الشخصية الأبرز في رياضته، انتقل "السير" هاميلتون إلى مسارات أخرى للتعبير بصورة متكررة عن وجهات نظره حول القضايا الاجتماعية.
أبدى البريطاني بداية مخاوفه بشأن الأمور المتعلقة بالبيئة في عام 2019، مستخدماً موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام ليعلن أن الكوكب "مكان فاسد" وشعر أنه يريد "الاستسلام".
لم يسلم هاميلتون من الانتقادات على خلفية آرائه، بما في ذلك الكشف عن أسلوب حياته النباتي، فاتهم بالنفاق كونه يجول في أنحاء العالم على متن طائرات خاصة وينافس في رياضة بالكاد تُعرف أنها صديقة للبيئة.
ردّ هاميلتون على حملة الانتقادات التي طالته قائلاً "أنا إنسان" و"على غرار الجميع، هناك تأرجح في حياتي. هذا ما كنت أحاول أن أنقله حقًا".
في العام الماضي، وعقب وفاة الأميركي جورج فلويد صاحب البشرة السوداء خنقاً في مينيسوتا بعدما قام أحد رجال الشرطة البيض بالضغط بقدمه على عنقه، ضغط هاميلتون من أجل المزيد من التنوّع في الحلبة ودعم جهارًا حركة "بلاك لايفز ماتر" (حياة السود مهمة).
لم يلقَ هذا الموقف العلني قبولًا عالميًا.
تحدث عرّاب الفورمولا واحد السابق بيرني إكليستون لوكالة فرانس برس منتقداً ما يقوم به مواطنه "من الخطأ قليلاً أن أقول للسائقين الآخرين إنني بطل العالم ويجب أن تفعلوا الشيء نفسه... يحق له إبداء رأيه لكن يجب أن يحتفظ به لنفسه".
شكّل عنصر إيمان هاميلتون بالتعبير عن الذات والحرية نصيحته للسائقين الشباب، لذا يقول "ما يمكنني أن أنصح به بالتأكيد أي شاب يحاول دخول معترك السباقات هو عدم الاستماع إلى الأشخاص الذين يقولون لك إنك بحاجة إلى مدرب ذهني أو إنك بحاجة إلى شخص ما للمساعدة في التحكم في ذهنك".