انحسار كبير رافق المقاهي العربية ودورها الأبرز في استقطاب المهتمين في مجال الثقافة والفكر والأدب والفن، وما صاحبها في الفترة الأخيرة من عزوف كبير للكثير من الأسباب، وشكلت هذه الظاهرة دوراً كبيراً وبصورة خاصة في أوائل القرن الماضي وأثرت في إثراء الحالة الثقافية والحضارة، ولم تعد مدينة كبرى إلّا وتباهت بتواجد أكبر عدد منها ضمن أزقّتها وشوارعها الضيّقة. وقد اعتاد الكثير من المثقفين حول العالم على اتخاذ المقاهي فضاءً ملهماً للإبداع والحوارات والمساجلات الجادة هرباً من تقييد روتين العمل والتقليد ما أسهم في تشكيل ثقافة مستقلة بذاتها ودافعها إنتاج أدبي وثقافي مختلف شهدت ولادة كثير من أعمال نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، ويوسف إدريس وغيرهم. والمعروف أنّ المقاهي هي إحدى آليات التنوير والتثقيف، وهي ظاهرة عالمية، أضف إلى ذلك المنتديات الثقافية المتنوعة التي ظهرت هي الأخرى في تلك المرحلة وتسابقت نحو احتضان الكثير من الأدباء والمثقفين العرب، ومنها صالون جماعة أبو لولو في عام 1931 في مصر، وصالون المقتطف، ومنتدى خميس، والعنابي في تونس.
ومن بين المقاهي التي كانت ملاذاً للمبدعين، مقهى "الخفافين" في بغداد وهو أقدمها، ومن روّاده رموز الفكر والأدب: معروف الرصافي، جميل الزهاوي، وعبود الكرخي. ومقهى "الشابندر" بشارع المتنبي 1917 والمعروف الآن بمقهى "الشهداء"، وسبق أن استضاف الزهاوي والشاعر محمد مهدي الجواهري، وعالم الاجتماع علي الوردي والرصافي، وشهد أيضاً بداية الحياة الأدبية للشاعر بدر شاكر السيّاب.
وفي دمشق تميّز مقهى "الهافانا" الواقع في قلب العاصمة الذي تأسس في عام 1945 بمكانته، وهو شبيه بمقهى "الفيشاوي" المصري، ومقهى "البرازيلي" بشارع بورسعيد في وسط دمشق، ومقهى "الكمال" المجاور لهافانا.. ومقهى "الروضة". ومن أبرز روّاد مقهى "الهافانا" الأديب محمد الماغوط، وفيه كتب مسرحياته الشهيرة مثال: "غربة"، "كأسك يا وطن"، وسيناريو فيلم "الحدود".
ومن أبرز روّاده بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البيّاتي، أحمد الصافي النجفي، الشاعر القروي، محمد مهدي الجواهري، أحمد عبد المعطي حجازي، والناقد المعروف رجاء النقاش. ومن الفنانين المصريين محمود المليجي وفريد شوقي.
وفي لبنان، مقهى"الهورس شو" الذي تأسس في عام 1959، ومقهى "الاكسبرس"، "منهاتن"، "النيغرسكو"، "الستراند"، "الألدورادو"، ،"عرمرم" المشهور بأمسيات شهريار الثقافية، مقهى "المودكا" أشهر مقاهي الحمرا، ومن رواده بشارة الخوري وأمين الريحاني. ومقهى "الويمبي". ومن رواد مقهى "الهورس شو": يوسف الخال، نزار قباني، أدونيس، محمد الماغوط، محمود درويش، بدر شاكر السياب. تظل مقهى "فيصل" من أشهر مقاهي بيروت الذي تأسس في عام 1919 مقابل بوابة الجامعة الأميركية. وهناك كثير غيرها أطلق عليها العديد من التسميات.
وفي تونس مقهى "العهد الجديد"، ومقهى "الديوان"، وفي الأردن مقهى "العاصمة" ومقهى "عمون" بوسط عمان، ومقهى "الشريف الدولي".
وفي مصر مقهى "الفيشاوي" الذي تأسس في عام 1797، ومقهى "ريش"، "الحرافيش"، "محمد عبد الله"، ومقهى "سفنكس"، و"إبزافيتش" في قلب ميدان التحرير، وهو من أشهر مقاهي الستينات، فضلاً عن مقهى "الرتز"، "أفندية"، و"متايا". ومن أبرز رواد مقهى "الفيشاوي": نجيب محفوظ الذي كتب معظم أعماله في هذا المقهى، بالاضافة إلى الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، والممثل نجيب الريحاني، والفنانين عبد الحليم حافظ، محمد فوزي، ليلى مراد، والرئيس جمال عبد الناصر، الملك فاروق والمفكر الفرنسي بول سارتر.
وفي الجزائر، مقهى "طانطافيل"، أو مقهى "الجزائر" حالياً، ومقهى "الرمّانة" التاريخي، ومقهى "الوداد" بمدينة وهران، إضافة إلى مقاهي أخرى مثل: "مالاكوف"، "التلمساني"، المعروفين في السابق بمجالس الثراء والأدباء والفنانين.. ومقهى "الحافة" في طنجة المغربية.
تلك المقاهي لعبت دورها في اثراء الساحة العربية من خلال احتضانها للأدباء والمفكرين والفنانين العرب الذين تركوا بصمة في عالم الابداع ما زال الكثير من محبي الأدب والفكر والفن يتذكرون هؤلاء الرواد الأوائل. في تلك المقاهي كتبت فيها أبرز الكتب، وألهمت العديد من الفنانين في المسرح والموسيقى والفنون العربية بمختلف ألوانها وأشكالها.