ليس في هذه الفترة الأخيرة، وحقيقة أنه يمكن القول أن كل الواقع العربي قد أصبح فترات أخيرة، وأنّ لملمة هذا الواقع ليست سهلة وذلك لأن هذا التشظي الذي قد وصلت إليه ما أصبحت توصف بـ "الكيانات العربية" لم يعد سهلاً وضعه في مسار واحد وأنه قد بات من الصعوبة بمكان التمسك بذلك الشعار الجميل الذي كانت قد غردت إليه الأفئدة: "أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة"!!.
والآن وبعد كل هذه التجارب المريرة والإنقلابات "المتشقلبة" والمتقلبة نجد أن هذا الشعار قد زال نهائياً وأنه لم يعد يذكره إلّا الذين قد وخط الشيب شعر رؤوسهم والذين لم يستطيعوا إيصال هذه الأهزوجة الجميلة إلى أحفادهم وأبنائهم الذين باتت أغلبيتهم تستسهل "الرطن" بمفردات غير عربية.
لقد زال نهائياً أولئك الذين كانوا ينامون وهم يرددون إن همساً وإن بأصوات مرتفعة وعلى أساس أن الأحزاب العربية القومية الطليعية قد كانت تعتبر أن هذا الشعار الجميل كان يجسد حقيقة تطلعاتها هذه وأنه يعتبر أهزوجة عربية قومية.. وأن حتى أبناء المدارس القروية النائية لا يجدون ما هو أجمل من النشيد صباحاً: "أمة عربية واحدة"!!.
أنا أعتقد وبعد كل هذه التحولات التي قد مرت بها أجيالنا المتلاحقة أنه لم يعد هناك من يتذكر هذه الأهزوجة القومية وأنّ غالبية حناجر الصغار الذين يستمتعون بأناشيد الصباح المدرسية لا يتذكرون بل لا يعرفون حتى ولا كلمة واحدة من هذا الشعار الذي كنا نردده ونتغنى به عندما كنا في أعمارهم الوردية في كل صباح وبدون أن يعرف الكثيرون ما هو المقصود به وماذا يعني محتواه.
وحقيقة أنه بالنسبة لنا أننا كنا قد مررنا بتلك المرحلة الجميلة وأنّ أستاذنا الوحيد الذي كان قد أُرسل وافداً من إحدى مدارس الشمال الأردني الحبيب كان كما "إكتشفت" أنه لم يكن لا قومياًّ ولا صاحب ميول عروبية وأنه مع ذلك كان يقف أمامنا كالرمح الرديني في كل صباح ليردد: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة".
ويقيناً أن المفاهيم لم تكن قد تنحو إلى هذا النحو الذي وصلت إليه وانه عندما كان أستاذنا العظيم، الذي هو أحد أبناء قرانا الشمالية كان يقف أمامنا يتحدث، كما عرفنا لاحقاً وكأنه "الرفيق" ميشيل عفلق أو جورج حبش.. أو نايف حواتمه الذي غاص بعيداً في الماركسية – اللينينية ولم يخرج منها حتى الآن وذلك مع أنه كان ينتمي إلى إحدى "التشكيلات" الدينية التي تقاوم الأحزاب والقوى التي كانت تصف نفسها يسارية!!.