: آخر تحديث

أمريكا قتلت قرداش

49
41
41
مواضيع ذات صلة

في أعقاب مقتل زعيم (داعش)، عبد الله قرداش، (أبو إبراهيم الهاشمي القرشي) قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، في خطاب متلفز من البيت الأبيض إن الولايات المتحدة "أزالت تهديداً إرهابياً كبيراً في العالم".

وتابع قائلا "أحاول حماية الشعب الأميركي من التهديدات الإرهابية، وسأتّخذ إجراءات حاسمة لحماية هذا البلد".

وكما تتذكرون فإن نفس هذا الكلام قاله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب عن مقتل الخليفة أبي بكر البغدادي عام 2019. 

وسف تستمر أمريكا تردد نفس الكلام عندما تنجح في قتل أي واحد من  خلفاء داعش الذين سوف يظلون يتوالدون ويتعاقبون على إدارة الإرهاب المبرمج، وسوف تستمر أمريكا، ومعها حلفاؤها الأوربيون والعرب، في بذل الغالي والرخيص من المال والسلاح والجهد لمقاتلة الإرهاب الإسلامي المتجدد الذي لن ينتهي ما دام الكبار القادرون على تقرير مصير البشرية يقتلون إرهابيا هنا، ويباركون إرهابيا هناك. 

والسبب هو أنهم يتعمدون إدامة المعركة مع الإرهاب إلى ما شاءت مصالحهم الاستراتيجية وأهدافهم التي لا يعرفها إلا الله والغارقون في علم المخابرات وألاعيبها.

فقد اعترف وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، بأن "القتال ضد داعش سيستمر، لأن أفكار التنظيم باقية".

ولكنه لم  يقل بأن الأسباب التي تساعد على بقاء هذه الأفكار وعلى تفريخ الدواعش هي الباقية ولا يراها الأمريكيون وحلفاؤهم الآخرون.

يقول قائد القيادة المركزية الأميركية، فرانك ماكنزي، إن النظام الإيراني يعتمد على الميليشيات التي تعمل لها بالوكالة للقيام "بعملها القذر"، مشيراً إلى أنها تُعرض أرواح البشر للخطر من خلال نقل الأسلحة والموارد الأخرى إليهم.

ولكن أمريكا التي تتمسك بمحاربة داعش لا تفعل شيئا لوقف الإرهاب الآخر الآتي من إيران، بل تكتفي بالبيانات الشاجبة، وهي القادرة، بجرة قلم واحدة، على وضع نهاية عاجلة ونهائية لإطلاق الصواريخ والمسيَّرات على مطارات بغداد وأربيل وأبو ظبي والسعودية، ولكنها لا تفعل ولا تنوي أن تفعل، وهي العارفة، جيدا، من الممول والمسلح والمدرب الذي يأمر، ويُطاع، ويرسل المفخخات والانتحاريين.

وهي العارفة بمن يمنح الملاذ الآمن لقادة الإرهاب الكبار، ومن الذي يطلق داعش حين يحتاج إليها، في وقت معين، وضد أهداف معينة.

 إن أحدا من الكبار الممسكين بخيوط اللعبة الدولية المتشابكة، منذ ظهور أول خلية إرهابية عربية إسلامية في القرن الماضي، لم يقل من هي أنظمة الحكم التي يتحالف معها والتي تتعمد نشر الفقر والبطالة، وتصر على رعاية المناهج التعليمية المتخلفة التضليلية، وتوفر البيئة المناسبة لتخريج البائسين واليائسين والمضللين والعاطلين عن العمل الذين لا يجدون خيارا سوى خيار الثورة والنقمة والتعصب الديني والطائفي والعنصري، والإقبال على الاستشهاد إيمانا منهم  بأن موتهم انتصار على الظلم والظالمين، ومكافأة لهم باللبن والخمر والحور العين.  

سؤال. أليس لأمريكا وأوربا دالةٌ على الدول التي تملك الأقمار الصناعية التي تطلق الفضائيات المسمومة التي تروج لثقافة القتل والكراهية والتكفير والدعوة إلى العنف صبحا مساء ويتابعها ويتأثر بخطابها الملايين؟

ولكن أمريكا، ومعها حليفاتها، لا يعنيها سوى الإرهابيين الذين تعتبرهم تهديدا لأمنها الوطني. أما الإرهابيون الذين يقتلون كل يوم، بالمفخخات والصواريخ والمسيرات، مئاتٍ من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ العرب والمسلمين، وتهدم منازلهم، وتحرق مزارعهم، وتجعلهم مهجرين يتقاسمون المخيمات العارية، في بلادهم، أو غرقى في البحار، أو لاجئين باحثين عمن يقيهم من الجوع والعوز والخوف والضياع. 

ولو دققنا في حجم الأموال التي أنفقتها والتي تنفقها أمريكا ودول أوربا وحلفاؤها على حماية أمنها الداخلي الذي تعتقد بأنه مستهدف ومهدد من القادمين إليها من بلادٍ راعية للإرهب، أو متهمة برعاية الإرهاب، لوجدنا أنها أموال طائلة تكفي، لو أنفقت على معالجة منابع الإرهاب، لجعل العالم، وهي في المقدة، واحة سلم وأمن ورخاء.

واستنادا لما نشرته صحيفة يو إس أي تودي الأمريكية عن تكاليف محاربة الإرهاب فى العالم، منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001، لغاية 2017  فإن ما أنفقته أمريكا وأوربا يقدر بـ 5.6 تريليون دولار. وهذا يعني أنها، في الأعوام التالية، قد تجاوزت السبعة أو الثمانية، وسوف تظل في ازدياد. 

ترى، لو حَوّلت هذه الدول نصفَ هذه الأموال الطائلة إلى برامج ومشاريع تصنيعية وإعمارية في الدول الفقيرة التي تتزايد فيها نسب الأمية والجهل والفقر والبطالة، والتي يتكاثر فيها المتطوعون للانضمام لداعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات والمليشيات الإرهابية الأخرى، بالتزامن مع سياسات حازمة حاسمة واضحة ضد الحكومات التي تمارس القمع والقهر والتجهيل والتضليل ضد مواطنيها، لشهد العالم تراجعا في نسبة المتطوعين الجدد لحمل سلاح التنظيمات الإرهابية، دون ريب. 

فلم نجد، في طول تاريخ الإهاب الإسلامي، متعلما ناجحا في حياته الأسرية والعملية فجَّر نفسه في يوم من الأيام.

سؤال أخير، هل صحيح أن أمريكا ومعها أوربا، غير قادرة على وقف حرب اليمن، وترويض النظام الإيراني، وشد أذن الديكتاتور السوري، وتقليم أظافر حسن نصر الله، وردع المليشيات العراقية، وطرد المرتزقة الذين يعبثون بأمن الشعب الليبي، مثلا؟. 

أليست هذه هي المعركة النزيهة الشريفة ضد الإرهاب القادرة، فعلا، على فرض الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، وكسب محبة شعوبها المسالمة التي لا تريد سوى أن تعيش كما يعيش غيرها في بلاد البشر المحظوظين؟ 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي