: آخر تحديث

ين الواقع والعالم الافتراضي البديل

49
42
36
مواضيع ذات صلة

الميتافيرس  metaverses اصطلاح جديد، يعني تقريبا  "الكون الموازي"، أو "العالم الافتراضي البديل"، وهو ضمنيا عالم رقمي، يتفاعل فيه الكل بوتيرة مستمرة، وخلق كفضاء إضافي متراكب، لتفعيل خاصية التواصل المتعدد الأقطاب، بالموازاة مع العالم الحقيقي الذي يقطنه البشر. 

بمعنى ما، هو محاكاة لهذا الاخير، في كثير من التفاصيل، دون ان يكون نسخة طبق الاصل. وبالتالي يتيح لمستخدميه الإبحار في عوالم افتراضية، وبهويات خيالية مصطنعة، مع الاحتفاظ بامكانية استلهام رموزها من العالم الحقيقي، وهو عالم رقمي بديل، في بث متواصل، يخلف لاشعوريا نوع من الإدمان النفسي، والإغواء الاجتماعي في حالة الوقوع في وسواس الاتصال به بانتظام.

في الماضي القريب، وفي  فترة الحجر الصحي، التي عاشتها غالبية سكان الكوكب، فرضت العوالم الافتراضية نفسها بكثافة، كطريقة لتجاوز ضيق الأزمة، بتعويض العالم الواقعي المألوف، واللجوء للعمل عن بعد، وبالتواصل المرئي المستمر لإبقاء الصلات الإجتماعية حية، مع محاولة إيجاد فرص للاستمتاع و الترفيه، كاستخدام مثلا ألعاب الفيديو المنتشرة عبر الإنترنت، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتي سترتفع نسب الانخراط فيها، إلى  مستويات لم تنخفض إلى يومنا هذا.

ثم من ناحية أخرى، المسألة الرقمية وأبعادها  ستبدو أعمق بكثير، وأكثر إثارة للتفكير وللتساؤل فحتى الفترة الأخيرة، ظلت تلك العوالم الافتراضية المذكورة أعلاه، بمثابة فضاءات افتراضية مصطنعة رقميا، لتسهيل حركية  ألعاب الفيديو مثلا، ولإحتواء عروض شبكات ترفيهية بالأبعاد الثلاثية. وكانت الحدود الفارقة واضحة بين هذا العالم الافتراضي والعالم الواقعي الملموس لكن بإختبار بعض الشركات الكبرى، لإغراءات العالم الرقمي،  استخلصت في هذه العوالم الافتراضية، وسيلة لتوسيع سلطتها الاستثمارية، وبث سلعها ومنتجاتها، فاقتحمت عالم كان خاضعا لإلزامية الحجر والحصار الصحي، وشبه مبعد، عن إعلاناتها الاستهلاكية المنتشرة في أرض الواقع. 

ولهذا الآن، مثل هذه الشركات، أضحت  تساهم ماليا، وتتغلغل تدريجيا في مشاريع، ما يطلق عليه حديثا بأكوان metaverses، مما سيعزز ربما، في محو تلك الحدود الموجودة، بين فضاء افتراضي كان وليد اللعبة الرقمية، وبين العالم الواقعي العيني الملموس، حيث يتحرك ويتنفس البشر.

هذه العوالم الافتراضية الموازية، كما يطلق عليها، أضحت تتناسل بسرعة مذهلة، وصارت ظاهرة معلوماتية رقمية، عززتها بقوة، إجراءت التباعد الصحي المطبقة في العالم، التي كانت تميل إلى تشجيع رقمنة الخدمات، واختزال العلاقات الإنسانية في التماس الضروري المحدود. ومع ذلك  فهذا الاندفاع نحو metaverse سيطرح  أسئلة وجودية بقدر ما هي سياسية إذا كان صحيحا أنه حتى الآن تم بناء كل هذه الأكوان الاخطبوطية الافتراضية المتوازية لدعم حيوات البشر، علاوة على العالم الحقيقي، فهل ستصبح التجارب والعلاقات الواقعية، بعد ذلك سلعا يجب رقمنتها. هل الان سيصبح العالم الحقيقي، هو الذي يسند العوالم  الافتراضية.

فسنعاين مستقبلا إذن، اناسا يذخرون أموالا كافية لاستثمارها في بورصات افتراضية، وسيهندس زبناء منصات التواصل الاجتماعي، حياتهم على طراز مثالي من أجل عرضها على الجدول الزمني للشبكات الاجتماعية، وما إلى ذلك من التقليعات الجديدة مما نجهل....

ستصبح ربما الحياة الملموسة الواقعية، ركيزة واهية ودعامة لإزدهار وإنتعاش الحياة الافتراضية، بمعنى آخر وعبارة أقوى، لن تعد الظاهرة الرقمية الشمولية الحالية، وسيلة نفعية بل ستمتسخ (وهذا هو الأسوأ)  إلى غاية في حد ذاتها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي