: آخر تحديث

الشرق الأوسط وأمريكا وحلف الشمال الأطلسي

59
54
50
مواضيع ذات صلة

منذ ما يزيد عن نصف قرن، أنشأت بريطانيا وأمريكا بشكل مشترك، منظمة معاهدة الشرق الأوسط (METO) والمعروفة أيضا باسم "حلف بغداد"، وهي اتفاقيات متعددة مناهضة لتواجد الاتحاد السوفياتي في المنطقة، وكانت الغاية منها، حماية الشعوب مما كان يطلق عليه حينها بالخطر الشيوعي. 

لا يتوانى الخبراء، عن المقارنة بين تلك الفترة والوضع الحالي، في نهاية هذا العقد الأخير، حيث ازدادت التحركات الدبلوماسية الأمريكية في بقاع العالم، لصيانة تحالفاتها.

ففي سنة 2018، اعلن الرئيس الأمريكي السابق ترامب، ضرورة رفع مستوى التعاون بين قادة دول الخليج وأمريكا، في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية، لمواجهة الحضور العسكري الإيراني، وذروعه المنتشرة في المنطقة. بالنسبة للإدارة الأمريكية، كان يتعين بعجالة التدخل، و تهييء الظرفية، للإعلان عن إنشاء إطار مؤسسي يسمى بـ "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، يبلور على شاكلة هيئة مصغرة، لحلف الشمال الأطلسي OTAN، للتعامل بحزم مع مخاطر التهديدات الإقليمية وصدها.

وبهذا أعادت امريكا، إلى واجهة السجال الدولي، رهان تأسيس حلف جديد، في قلب الخليج يشبه حلف الناتو. لكن اللقاءات، لم تسمح بالتوصل إلى اتفاق، وبرزت اسباب اضطرارية للدفع بالتأجيل، خاصة عدم قدرة إدارة ترامب، على وضع استراتيجية متماسكة، لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها، بما في ذلك حل الخلافات الخليجية، التي كانت متأججة حينها قبل أن تنمحي.

لكن، لأن التهديدات غدت نشطة ومكثفة، ليس تلك الآتية من النظام الشيعي الإيراني فقط، بل كان الخوف المرجح، أن يحدث اختراق روسي في منطقة الشرق الأوسط، عبر التحالف مع سوريا وايران، علاوة على الأطماع الصينية في تعزيز تواجدها بالمنطقة، دفع صناع القرار الأمريكيون إلى التوجس، وأخذ بعين الجدية، هذا الوعي المتنامي بمخاطر التمدد الاستراتيجي  للمنافسين، واللجوء إلى حلف الناتو ومناشدة الحلفاء الأوروبيين لتقاسم العبء العسكري.

أثار ذلك شكوكا وتساؤلات، خاصة في أوساط الحلف الأوروبي. لا سيما ان الاقتراح الأمريكي برز ظرفيا وانتهازيا، ومع ذلك أثار أسئلة حقيقية. 

فالاقتراح الأمريكي كأنه يجبر القوى الغربية، بالاساس، على تحديد مسؤولياتها في خضم الصراعات العالمية، وفتح نقاش جديد حول دور الناتو، وسبب وجوده ومهماته ومحيط عملياته.

وهكذا طالبت أمريكا سنة 2020، بمشاركة ميدانية أكبر في حل قضايا الشرق الأوسط، وأوضح الأمريكيون أن تواجدهم البارز في حلف الناتو، سيكون مشروطا باستعداد وقدرة الحلفاء الأوروبيين، على الانخراط في مسارح العمليات الخارجية.

ورغم ذلك، المؤسسة السياسية العسكرية للولايات المتحدة تجمع، على انه لا يمكن، أن يكون هناك إلتزام حصري واهتمام  بصراعات الشرق الأوسط، على حساب ذلك التأهب العسكري والاستعداد (عندما تدق طبول الحرب)  للدفاع عن الحلف الأوروبي الأطلسي. 

فهي دائما مصرة، على البقاء عسكريا، منخرطة في حلف أوروبا، ومن الواضح أن هجوم روسيا على أوكرانيا سنة 2014، أدى بها، كل هذه المدة، إلى زيادة مشاركتها العسكرية، في منطقة البلطيق وعلى مشارف البحر الأسود، ونشر الجنود والترسانة العسكرية الأمريكية على أراضي دول بولندا ورومانيا، لتعزيز مواقع الدفاع والردع، على حدود أوروبا الشرقية كلها.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل ثقل الشرق الأوسط جيوسياسيا، بالإضافة، إلى انه أكبر خزان طاقي لاحتياطيات النفط والغاز، فإن المنطقة هي مفترق طرق بين أوروبا وآسيا، وهي مسرح لنزاعات متعددة المصالح، وتعتبر رهاناتها ومخارجها حاسمة بالنسبة للمراقبين الغربيين، وتستدعي تداعياتها المستقبلية استثمارات دبلوماسية واستراتيجية أكبر، ولهذا السبب من وجهة نظر الأمريكيين، يمكن عند الضرورة تعبئة الحلف الأطلسي للمشاركة كجبهة غربية للتدخل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي