في مواجهة الإجرام الحوثي والاعتداءات التي تتبناها ميلشيات ذات خلفيات وتمويل وتسليح معروف للجميع، حظيت دولة الإمارات، ولا تزال، بدعم دولي واقليمي قوي للغاية.
ويأتي في مقدمة ذلك بطبيعة الحال الدعم الذي يقدمه الحليف الأمريكي، الذي يعيد من خلال هذه الأزمة إعادة تعريف بل وهيكلة علاقات الشراكة والتحالف الاستراتيجي التي تربطه بالإمارات بشكل خاص ودول مجلس التعاون بشكل عام، بل إنني اعتقد أن الولايات المتحدة تحاول في هذه الظروف تأكيد أهمية الشرق الأوسط بالنسبة لها، باعتباره منطقة نفوذ تاريخي حصري لها، حتى أن تحركاتها تلفت انتباه بعض المراقبين الذين يرون أن واشنطن تعود بقوة للمنطقة وأن الأزمة الأوكرانية لم تقف حائلاً دون دون اهتمام البيت الأبيض بإصدار أمر تنفيذ عملية سرية لاستهداف أبو ابراهيم القرشي زعيم تنظيم "داعش" في غارة شنتها قوة أمريكية في شمال غرب سوريا.
ورغم أن الاعداد لهذه العملية استغرق شهوراً بحسب تصريحات الرئيس بايدن، فإن تنفيذها قد جاء في توقيت مهم للغاية كونها تزامنت مع تصاعد التحذيرات من تنامي خطر تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، حيث تمثل هذه العملية ضربة قوية ستسهم من دون شك في تقويض خطر التنظيم والتذكير بالدور الأمريكي في سوريا وغيرها.
لم تقتصر مؤشرات عودة الإهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط على ماسبق، بل إن المساندة والدعم القوي الذي قدمته الولايات المتحدة للإمارات في مواجهة التهديد الحوثي، يعكس حرص واشنطن على تأكيد التزاماتها حيال ضمان أمن شركائها الاقليميين، حيث تواصل القادة والمسؤولين الأمريكيين مع القيادة الإماراتية منذ الساعات الأولى للهجوم الحوثي الأول ضد دولة الإمارات منتصف الشهر الماضي، حيث أكد الرئيس بايدن أنه يتواصل مع المسؤولين بدولة الإمارات لمتابعة ومناقشة التهديدات الحوثية الأخيرة، وتطور الموقف الأمريكي إلى ما تضمنه اتصال هاتفي جرى بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث أكد الوزير الأمريكي أن بلاده قررت نشر طائرات مقاتلة من الجيل الخامس لمساعدة الإمارات في مواجهة التهديد الحالي، وكإشارة واضحة إلى أن واشنطن تقف إلى جانب الإمارات كشريك استراتيجي طويل الأمد والتزام واشنطن بهذه الشراكة، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تضمن إرسال المدمرة"USS Cole" لدعم الشراكة مع البحرية الإماراتية، وجميعها قرارات تعكس حدوث تغير ولو نسبي في ردة فعل الإدارة الأمريكية بشأن ضمان أمن الحلفاء، حيث تحول التعاطي مع الطلبات الدفاعية من التباطؤ إلى الاستجابة الفورية.
الحقيقة أن الاجراءات الأمريكية الأخيرة لدعم الشريك الاستراتيجي الإماراتي تمثل ـ بشكل غير مباشر ـ عودة قوية للدور الأمريكي التقليدي في منطقة الشرق الأوسط بعد فترة طويلة من التكهنات والتوقعات حول إنحسار الاهتمام الأمريكي بضمان أمن الشركاء في منطقة الخليج العربي، وأن أولوية واشنطن في المرحلة الراهنة باتت تركز على إحياء الاتفاق النووي ثم التفرغ للتصدي للتحدي الصيني.
المؤشرات تقول أن إدارة بايدن تعيد ترتيب الأوراق في ملفات كثيرة، حيث نلاحظ التزامن في اتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بالنفوذ الأمريكي العالمي، وربما يتطور ذلك إلى تطوير سياساتها في أزمة اليمن حيث أكد مسؤول رفيع في "البنتاجون" أن البيت الأبيض طلب من وزارتي الخارجية والدفاع تقديم التوصيات والمراجعات اللازمة لتقييم السياسة الأمريكية تجاه أزمة اليمن في غضون الأسابيع المقبلة.
إن هجمات الحوثي ضد دولة الإمارات قد وضعت إدارة الرئيس بايدن في حرج بالغ، وعززت الإنتقادات الموجهة لسياسته الخارجية، حيث أثبت الهجوم أن قرار رفع جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب الأمريكية لم يحقق الهدف المرجو، بل جاء على العكس تماماً وشجع الحوثي على ارتكاب حماقات وتجاوزات جديدة ضد الإمارات، وهناك مخاوف جدية من توسع هذه التجاوزات لتشمل إستهداف إسرائيل، بما تعنيه هذه الاحتمالية من عواقب كارثية على أمن منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
صحيح أن دولة الإمارات قد طالبت الإدارة الأمريكية رسميا بإعادة تصنيف جماعة الحوثي على قوائم الإرهاب، ولكن الأمر لا يتوقف عند الدبلوماسية الإماراتية، بل إن الأصوات تتصاعد داخل مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين بشأن ضرورة مراجعة سياسات الإدارة الأمريكية تجاه اليمن، وهو مادفع بايدن للخروج بعد ساعات من هجمات الحوثيين للإعلان عن أن مسألة تصنيف الحوثي جماعة ارهابية "قيد الدراسة"، لاسيما أن الهجوم الحوثي ضد دولة الإمارات جاء عقب فترة وجيزة من اقتحام ميلشيا الحوثي مقر السفارة الأمريكية في صنعاء، حيث نهبوا كمية كبيرة من التجهيزات والمعدات، بعد أيام من اعتقال حوالى 25 موظفاً يمنياً يعملون في مبنى السفارة منذ تجميد عملها في عام 2015، لذا فإن البيت الأبيض يحاول تفادي الإتهام بفشل سياساته في اليمن، لاسيما في ظل عدم إحراز اختراقات ملموسة في معظم ملفات السياسة الخارجية.
تدرك الإدارة الأمريكية أن تصعيد الميلشيات ضد دولة الإمارات له أهداف ليست بعيدة عن مفاوضات فيينا، لذا يفترض أن تعمل واشنطن على استعادة زمام المبادرة من خلال تعزيز موقفها الداعم لحلفائها الخليجيين، فدروس الماضي القريب تقول بضرورة أن يدفع المخطىء ثمن أخطائه. والواضح كذلك أن ردة الفعل الأمريكية الأخيرة لدعم الإمارات تسهم في انقاذ سمعة الولايات المتحدة التي تتهم في الآونة الأخيرة بأنها حليف غير موثوق، حيث يراقب الجميع في المنطقة والعالم كيف تتصرف واشنطن حيال تهديد خطير يواجه أحد أقرب حلفائها الشرق أوسطيين، فضلاً عن أن الهجمات تمثل ـ في أحد أبعادها ـ تحدياً حوثياً إيرانياً متكرراً للنفوذ الأمريكي ومحاولة لترسيخ فكرة تراجع وانحسار هيبة الولايات المتحدة في النظام العالمي، بما يدعو للتصرف وفقاً لرؤية الدبلوماسي الامريكي السابق دينيس روس التي تضمنها مقال نشر له مؤخراً قال فيه "من الضروري مواجهة تصورهم المزعوم (يقصد كافة خصوم الولايات المتحدة الاستراتيجيين) بأننا نتجنب المخاطرة وإثبات أن أفعالهم تجعلنا أكثر استعدادًا للمخاطرة".