يوماً بعد آخر يتجه الوضع الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط إلى مزيد من التدهور والتوتر لأسباب عدة في مقدمتها انتشار الميلشيات الإرهابية وتحول المنطقة باكملها إلى "مفرخة" لهذه الميلشيات التي ترعاها وتمولها وتسلّحها قوى اقليمية معروفة للجميع.
بطبيعة الحال لا يعد الصمت خياراً مناسباً إزاء هذه التطورات المتسارعة، لذا فإن من الضروري أن تتعاون دول المنطقة في التصدي لهذه الأخطار وردع التهديدات التي لا تتوقف عند دولة بعينها، فالميليشيات الحوثية التي نفذت العديد من الهجمات الإجرامية ضد منشآت مدنية في المملكة العربية السعودية قد كررت فعلتها ضد الإمارات وتهدد إسرائيل بهجمات مماثلة!
الحلول هنا لا تقتصر على امتلاك منظومات دفاعية مضادة للصواريخ والانذار ضد الطائرات المسيرّة، لأن هذه العصابات الاجرامية المنظمة تراهن على العامل النفسي أكثر من الرهان على الحاق خسائر فعلية بالمنشآت والدول التي تستهدفها، فالميليشيات تدرك خطوة الأثر النفسي الناجم عن اثارة التوترات ضد دول طالما اشتهرت بالأمن والاستقرار وتحولت إلى بيئة مثالية للاستثمار والتجارة والأعمال، لذا فإن مجرد هذه الميلشيات المنتشرة بدول عدة في منطقتنا سيبقى مصدر خطر وتهديد لجميع الدول والشعوب، ليس فقط بالنظر إلى ترسانات الأسلحة والخبرات القتالية التي تراكمها، ولكن أيضاً لأن هذه الميلشيات تتحول بمرور الوقت إلى بديل للدول، وترسّخ الواقع المزري الذي تسبب في تنامي دورها جراء انهيار الدولة الوطنية وانهيار أو تضاؤل أو محدودية قدرة الجيوش الوطنية على التصدي لهذه الميلشيات المدعومة من قوى خارجية.
لا يمكن لشعوب دول الشرق الأوسط أن تنام وتصحو على تهديد الميليشيا، ولا يمكن أن يبقى أمن واستقرار منطقة حيوية كهذه مرهون بـ"أوهام" شخصيات مثل الحوثي ونصر الله وغيرهم من الوكلاء الذين صُنعوا من أجل تحقيق أهداف محددة هي أبعد مايكون عن شعوبهم ومصالحها، بل إن كل الشواهد تقول أنهم ليسوا سوى متآمرين على أمن واستقرار شعوبهم بما يرتكبون من جرائم وتجويع في اليمن، وما حققوه في لبنان من كوارث دفعت هذا البلد العربي وشعبه إلى كوارث اقتصادية وسياسية وأمنية لا حصر لها.
الحقيقة أن الرهان على دور دولي في الحفاظ على الأمن والسلم الاقليمي يبدو أقرب إلى التمنيات في ظل حالة الاستنفار والصراعات والأزمات العميقة في العلاقات الدولية، وفي ضوء التوترات الحاصلة بين القوى الدولية الكبرى سواء بسبب أزمة أوكرانيا أو بسبب تايوان، أو قضايا وصراعات أخرى عديدة، وبالتالي يبدو الأمر مرهوناً بتعاون وتنسيق الدول الاقليمية على المستويات كافة من أجل التوصل إلى صيغة لردع هذه التهديدات وتوفير أجواء آمنة مستقرة للشعوب.
من المعروف أن التهديدات الاستراتيجية التي تطال دولة الإمارات هي نفسها التهديدات التي تطال دول أخرى عديدة في المنطقة في مقدمتها إسرائيل، فالإختراقات الخارجية التي حدثت لمنظومة الأمن القومي العربي في العقدين الأخيرين قد تسببت في إحداث تغيرات هيكلية عميقة تؤثر بالسلب على الجميع، وتكفي الاشارة إلى أن ميلشيات يفترض أنها تنتمي لدول عربية تعمل لمصالح أطراف أجنبية ليس فقط ضد دول عربية مجاورة ولكن ضد شعوبها نفسها! وماحدث جراء ملئ قوى اقليمية للفراغ الاستراتيجي الذي حدث في دول عربية عدة بسبب الفوضى والاضطرابات وأيضاً الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها قوى دولية كبرى يدفع ثمنه الجميع الآن لا فرق في ذلك بين الإمارات وإسرائيل، فالميليشيات ترفع شعارات "المقاومة" الزائفة وتتاجر بمعاناة شعوبها تحقيقاً لإملاءات يعلم الكل في منطقتنا مصدرها وأهدافها!
تعزيز التعاون الأمني والاستخباري والعسكري بين الإمارات والدول الاقليمية التي تقف في مواجهة هذه الفوضى الميليشيوية الاقليمية، بما فيها إسرائيل، لا بديل عنه، ولاسيما في ظل انشغال الولايات المتحدة وبقية القوى الكبرى بصراعات النفوذ والمصالح شمالاً وشرقاً؛ وقناعتي أن دول المنطقة قادرة ـ بالتعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والدعم المتبادل ـ على صد هذه الموجة العاتية من الفوضى الميليشيوية التي تحتاج إلى حلول وبدائل من خارج صندوق الأفكار التقليدي.