: آخر تحديث

قيس سعيد والبعض وهؤلاء وأولئك

44
49
54
مواضيع ذات صلة

بقرار حل المجلس الأعلى للقضاء بعد أن حل البرلمان والحكومة سابقاً يكون الرئيس التونسي قد أنهى "البعض وهؤلاء وأولئك" الذين لطالما أشار إليهم في خطابته منذ اليوم الأول لدخوله قصر قرطاج.

الرئيس قيس سعيد ورغم الهدوء الطويل الذي تميز به في العامين الأولين لحكمة إلا أنه في الأشهر الأخيرة يخوض "مارثون سياسي" أفضى إلى حل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية في خطوة لا يمكن وصفها إلا بالمتهورة وغير المدروسة تماماً.

بعيداً عن صواب قرار الرئيس التونسي بوقف تمدد الاخوان ومحاولتهم السيطرة على الدولة التونسية، إلا أن الهدم الذي يمارسه لكافة السلطات بالتزامن مع وضع اقتصادي كارثي لامس المحظور أي تأخر صرف الرواتب سيؤدي بتونس إلى وضع قد لا يتمناه أحد.

قرارات قيس سيعد يمكن وصفها بالثورة، وهذه القرارات بحاجة إلى دعم شعبي كبير، إلا أن هذا الدعم لا يمكن الرهان عليه اليوم في ظل الأوضاع المعيشية المتردية، وعلى الرئيس ألا ينسى أن انتفاضة الشارع ضد حكم زين العابدين بن علي كانت نتيجة الأوضاع المعيشية لا لتحقيق مطالب سياسية.

وعلى الطرف الآخر فإن ممارسة هدم مؤسسات الدولة بشكل كامل قد يعرقل الرئيس التونسي وإجراءاته، فالإصلاح السياسي والاقتصادي لا يمكن تنفيذه بهذا الشكل، فالدولة ليست شركة يمكن إعادة هيكلتها كلياً بمجرد قرار رئاسي، والوضع أكثر تعقيداً وبحاجة إلى عملية تغيير تضمن  عدم انهيار الدولة، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وليس من مصلحة قيس سيعد الذي حظي بدعم شعبي مهم لتصدية لحكم الإخوان أن ينقلب عليه الشارع نتيجة تعجله وتسرعه في قلب الأمور رأساً على عقب.

ما يقوم به قيس سعيد لا يمكن إخراجه عن إطارين فإما أن الرجل يفتقد إلى أدنى مقومات الخبرة والحنكة السياسية، الأمر الذي جعله يفقد بوصلة التغيير الذي يريده نتيجة نجاحه بعد حل البرلمان وتأييد الشعب لهذه الخطوة، وإما أن هناك مَن يسنده ويقف خلفه بشكل قوي وخاصة الجيش والأجهزة الأمنية، وفي كلتا الحالتين فإن المغامرة التي يقوم بها لا يمكن التنبؤ بنتائجها وقد تقود تونس إلى الجحيم.

تونس اليوم في وضع مالي خطير لا يمكن التغاضي عنه، وخصوم قيس سعيد سيتغلون هذا الأمر إلى أبعد مدى، وتأجيج الشارع استناداً إلى المطالب المعيشية ليس صعباً فالاحتقان موجود ولا يحتاج أكثر من محرك بسيط لتفجيره، وهذا ما سيتلاقى مع وجهة نظر بعض التيارات التي ترى في قرارات الرئيس محاولة لإعادة تونس إلى زمن الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

في المحصلة، فإن الرئيس التونسي بحاجة إلى ضبط "فرامل" قرارته وعدم التهور في التغيير الشامل والكلي في ذات الوقت، فالدولة التونسية ليست مجرد "كلية جامعية" يمكن تغيير كافة اساتذتها في وقت واحد دون أن يلاقي هذا الأمر أي اعتراضات، وعلى قيس سعيد أن يبحث عن حلفاء وشركاء يدعمون قراراته، ففي النهاية لم يبقى أمامه سوى "الاتحاد العام للشغل" وعليه أن يضعهم في حسبانه قبل أي قرار مقبل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في