: آخر تحديث

الإمارات: دبلوماسية التعاون ومد الجسور

65
79
54
مواضيع ذات صلة

لا يخفي على أحد من المراقبين والمتخصصين أن الطموحات التنموية العريضة التي تمتلكها دولة الامارات، قيادة وشعباً، تحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة من أجل تهيئة الأجواء للعمل والبناء والانتاج وتحقيق سقف التطلعات، الذي يتطلب بدوره تكثيف معدلات التعاون والتواصل مع دول العالم كافة في مختلف المجالات. الامارات التي تمضي نحو المستقبل وفق رؤى استراتيجية مدروسة تتضمن أهدافاً طموحة للغاية تسعى الدولة لتحقيقها، وقد نجحت بالفعل في بلوغ هذه الأهداف المدرجة في رؤية 2021، والآن تبدأ العمل لتحقيق أهداف رؤية الامارات 2071، وتمضي في سبيل ذلك وفق وثيقة "مبادىء الخمسين" التي اعلنتها في سبتمبر الماضي، وهي خارطة طريق استراتيجية للسنوات المقبلة، وتتضمن عشرة مبادىء رئيسية تحدد المسار المستقبلي للدولة.
من يقرأ بنود هذه الوثيقة يستطيع ان يفهم ويستوعب الكثير من دوافع وخلفيات الأنشطة الدبلوماسية الاماراتية التي يقف الكثيرون عندها كثيراً، ومنها التواصل الهاتفي المهم الذي جرى بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة،  والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي جاء عقب الزيارة التي قام بها في شهر أغسطس الماضي سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني في دولة الامارات لتركيا، وهناك أيضاً زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي لسوريا مؤخراً ولقائه مع الرئيس بشار الأسد، وغير ذلك من أنشطة تعبر في مجملها عن دبلوماسية ديناميكية لا تتوقف عن التفكير والحركة والاستجابة للمتغيرات الاستراتيجية بشكل واع ومدروس.
مجمل هذه الأنشطة والحركة الدبلوماسية الدؤوبة ليست عابرة ولا طارئة على دينامية عمل السياسة الخارجية الاماراتية التي تتميز في السنوات الأخيرة بالمرونة وسرعة الاستجابة والتفاعل مع المتغيرات بما يضمن تحقق المصالح الاستراتيجية الاماراتية وكذلك ضمان أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط وصون مكتسبات ومقدرات الدول والشعوب العربية، وهي في مجملها أهداف لا تغيب عن صانع القرار الاماراتي منذ تأسيس دولة الاتحاد على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه.
الكثير من التساؤلات التي تدور في بال المراقبين يمكن أن تجد لها اجابات في مضمون وثيقة الخمسين، التي تؤسس لفهم أسس الاستراتيجية الاماراتية في المرحلة المقبلة، فالوثيقة تنطلق من أولويات ثابتة أعلنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حين قال سموه خلال إعلان الوثيقة: "أولويتنا الأولى هي تنمية بلادنا"، فكل السبل والعمل موجهّ إذاً موجهة إلى هذه الأولوية.
 لذا نجد أن المبدأ الثاني في هذه الوثيقة يشير إلى "التركيز بشكل كامل خلال الفترة المقبلة على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم. التنمية الاقتصادية للدولة هي المصلحة الوطنية الأعلى، وجميع مؤسسات الدولة في كافة تخصصاتها وعبر مستوياتها الاتحادية والمحلية ستكون مسؤوليتها بناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية والحفاظ على المكتسبات التي تم تحقيقها خلال الخمسين عاما السابقة"، والمبدأ الثالث يقول "السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات، هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الإمارات"، فلا حديث عن حروب وصراعات ولا إشارة سوى إلى التنمية والعمل والبناء، والمدخل لذلك كله نجده في المبدأ الخامس الذي يؤكد على أن "حسن الجوار أساس للاستقرار. المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي الذي تعيش ضمنه الدولة يعتبر خط الدفاع الأول عن أمنها وسلامتها ومستقبل التنمية فيها. تطويرعلاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع هذا المحيط يعتبر أحد أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة"، وتكتمل الصورة وتتضح بشكل تام في المبدأ العاشر الذي يشير إلى آليات تحقيق هذه الأهداف من خلال "الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركا أساسيا للسياسة الخارجية".
قناعتي الذاتية أن هذه المبادىء تحمل تفسيراً واضحاً لما يحدث على صعيد التوجهات الاماراتية الأخيرة، فالامارات تؤمن تماماً أن ترسيخ الأمن والاستقرار في محيطها الاقليمي، وتبريد الأزمات من حولها هو السبيل الوحيد لتحقيق الطموحات والتطلعات التنموية والوصول إلى قمة هرم التنافسية العالمية في مختلف المجالات، فبناء الجسور ورأب الصدوعات والتعاون والاستفادة من المزايا النسبية والقدرات النوعية لكل الدول تضمن للجميع التطور والتقدم، لذا فالمسألة لا تتعلق بالجمع بين الأضداد استراتيجياً ولا ترتبط بمخاوف أمنية أو عسكرية بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوصول إلى أهداف تنموية يصعب أن تتحق من دون توافر بيئة اقليمية مستقرة أساسها التعاون والتواصل والتفاهم، وهذه هي ركائز السياسة الخارجية الاماراتية منذ تأسيس دولة الاتحاد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي