: آخر تحديث

خطاب الملك والمستقبل السياسي الأردني

59
57
50
مواضيع ذات صلة

في خطابه الذي افتتح به أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة التاسع عشر أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أن التحديث المنشود هو التحديث المبني على رؤية واقعية برامجية واضحة المعالم، فالرؤية الملكية تستند إلى البناء على ما حققته الدولة في مئويتها الأولى، لضمان استمرارية الإنجاز بعيداً عن فوضى التجارب التي مرت بها المنطقة خلال السنوات الماضية، فالفوضى وحرق المراحل أثبتت أنها أقصر الطرق إلى التراجع فيما البناء التراكمي هو الأساس الصلب لعملية التطوير والتحديث.

خطاب الملك الموجه لنواب وأعيان الأمة حمل رسائل عديدة إلى القوى السياسية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وإلى مؤسسات الدولة باعتبارها الأداة التي ستسهل عملية التحديث.

الملك مؤمن أن التحديث ليس قراراً بقدر ما هو ثقافة عامة وتطور اجتماعي وثقافي، لذلك كان تأكيده بأن التحديث لا يقتصر على حزمة قوانين وتشريعات، فالمسؤولية تقع بالأساس على عاتق الأحزاب ذاتها، فهي الأداة التي ستعزز من مفاهيم العمل الحزبي البرامجي القائم على رؤى واقعية تسهم في رفع منسوب التحديث والارتقاء به إلى مرحلة البرلمانات الحزبية، وهذا بحاجة إلى ارتباط عضوي بين الأحزاب وتطلعات الناس واهتماماتهم بعيداً عن التنظير السياسي غير الواقعي فالعمل السياسي القائم على الموائمة بين الأفكار وإمكانية تطبيقها هو العمل المفضي إلى نتائج تنعكس على تطور الدول.

الخطاب كان واضحاً تماماً بخصوص الضمانة الملكية لتطوير العمل السياسي الحزبي، وعدم السماح لأي جهة بإعاقة هذا العمل، وهذه رسالة أخرى أراد الملك أن يؤكد فيها أن الأردن ماضٍ بثبات نحو مئويته الثانية القائمة على تكريس العمل السياسي دون أي تدخلات أو معيقات من أي طرف، وهذه الرسالة موجهة في ذات الوقت للأحزاب باعتبار أن الطريق ممهد أمامها وعليها العمل على اقناع الناس بفعاليتها وتوجهاتها وبرامجها، فالمواطن أولاً وأخيراً يبحث عن الحزب الذي يلامس همومه وقضاياه لا مجرد كيانات باحثة عن المناكفات والشعارات، فالتجارب الحزبية العالمية الناجحة تجارب قائمة على تماهيها مع تطلعات الناس واحتياجاتهم.

خطاب العرش يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الأردن، وهو في مجمله يركز على قضية أساسية هي قضية تحديث المنظومة السياسية، ومواكبتها للمئوية الثانية للدولة، منظومة تعزز دور كافة الفئات الاجتماعية وخاصة المرأة والشباب، وقائمة على الفصل بين السلطات بالشكل الذي يمكنها من القيام بمهامها وصلاحياتها في إطار من التعاون والتكامل المفضي إلى خدمة الأردنيين ومستقبل المملكة.

الخطاب في مجملة يشكل حالة إيجابية، ويضع مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب أمام مسؤولية كبيرة، فهذه الدورة ستؤسس لعقود مقبلة من التاريخ السياسي الأردني، وتنقل المملكة إلى عتبات المستقبل، وفي ذات الوقت فإن الخطاب يضع الأحزاب أمام لحظة فاصلة فعلى عاتقهم تقع مسؤولية ترسيخ وتجذير ثقافة سياسية منتجة وفعالة ترسخ أطر العمل العام للبناء عليها في مراحل مقبلة من التحديث والتطوير.

بالمحصلة فإن خطاب الملك يشكل رسالة تفاؤل وأمل بأن الأردن ورغم كل التحديات والصعوبات التي خلفتها جائحة كوفيد 19 قادر على النهوض ورسم مستقبله بناء على قناعاته الداخلية وضمن برامج واضحة ومحددة تستجيب لتطلعات شعبه وترسخ حالة الأمن والاستقرار باعتبارها أساس التحديث والتطوير.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في