: آخر تحديث

صعوبة أن تكون إنساناً

53
60
59
مواضيع ذات صلة

الإنسان في فعله للخير وتركه للشر يستند إلى ثلاثة مُكوِّنات:
1.الضمير الإنساني.
2.الدين.
3.القانون. 
وقد تجتمع ثلاثتها في الإنسان، فيرتدع عن الشر ويعمل الخير لأن ضميره ودينه والقانون يدفعونه لذلك أو يمنعونه عن ذلك، وقد تختفي كلها من الإنسان، فلا ضمير ولا دين ولا قانون يحثونه على عمل الخير ويمنعونه عن ارتكاب الشر، ومنهم من ليس للدين وجود في حياته؛ ولكن ضميره حي وفعَّال، وآخر لا ضمير عنده ولا دين له، ولكن القانون يُشكِّل قوة رادعة أمام رغباته لفعل الشر. الضمير نسبي، والتديُّن نسبي، يغيب الضمير ويتلاشى التديُّن في غياب القانون، فالقانون وحده من يردع الإنسان الذي يغلب جانب الشر فيه جانب الخير.

وهنا قد يتبادر إلى الذهن سؤال: متى يكون الدين فعَّالاً ويردع الإنسان عن ارتكاب الشر؟

الدين يكون فعَّالاً عندما يكون تديُّن الإنسان حقيقياً، ليس مجرد طقوس أو مظاهر خارجية، لذا نجد قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا)، فمن كان في أصله دنيء ظالم حقود حسود...إلخ، سيبقى كذلك حتى لو حفظ القرآن كاملاً وكتب الصحاح الستة.

وقوله عليه الصلاة والسلام لذلك الصحابي الذي أخبره الرسول أن فيه خصلتين يحبهما الله، وهما الحلم والأناة، فسأل هذا الصحابي النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أتخلَّق بهما، أم الله جبلني عليهما؟ فقال عليه السلام: بل الله جبلك عليهما).

هناك عدد من الرسائل التي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يُوصِلها لأمته من خلال هذا الموقف، الرسالة الأولى: أن الدين ليس شمَّاعة يُعلِّق عليها الإنسان أسباب أو نتائج فعله للخير أو تركه للشر، فهذا الصحابي لم يكن يفعلها تديُّناً، وليس للدين بهما علاقة، بدليل قوله عليه السلام: (بل الله جبلك عليهما). الرسالة الثانية: أن عمل الخير والخصال الحميدة عندما تكون في صورتها الإنسانية، تكون هي الأنبل والأجمل والأكمل؛ لأنها نابعة من ذات الإنسان، ولأجل الإنسان، فلا يرجو بفعلها جنة، ولا يخشى بتركها نار، لذلك استحقت تلك الخصلتان أن يحبهما الله ورسوله من هذا الصحابي؛ لأنهما كانتا في صورة إنسانية خالصة.

كذلك قصة الرجل الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة، لم يكن يفعل أي طقوس أو عبادات دينية غير الفروض والأركان، فقط كان قلبه نقياً، وعندما أراد عبد الله بن عمرو أن يعرف السبب الذي من أجله كان من أهل الجنة ذهب ليقيم عنده ثلاث ليال، ولم يره يعمل أعمالاً كثيرة، فأخبره بما قاله النبي عنه، ثم سأله عن السبب الذي به أصبح من أهل الجنة. فأجابه الرجل: (ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نُطيق). فكلمة عبد الله بن عمرو: (هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق) دلَّت على أنه من السهل أن تكون مُتديِّنا، لكن من الصعب أن تكون إنساناً، دلَّت على صعوبة بلوغ منزلة الإنسانية، فذلك الصحابي نال الجنة وبُشِّر بها لأنه إنسان لا لأنه مُتديِّن. فالإنسانية منزلة رفيعة لا ينالها إلا من يستحقها بجدارة، وكلنا نستطيع أن نكون مُتديِّنين، لكن القليل مِنَّا بل النادر هم من يستطيعوا أن يكونوا إنسانيين!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في